Friday, August 25, 2017

بين الهند وعربان الربيع


خلال الأيام الماضية تلقيت فيض من المقالات العربية من أدباء وكتاب ورويبضة يضعون أنفسهم قادة وممثلين للوعي العربي ، ويتمثلون بـ دون كيشوت في مناطحة ما يتوهمون أنها مصادر المشكلات وبؤر الفساد

الأسواني ، مثله مثل الكثيرين من كتاب الربيع العربي ، لم يستوعب من السينما
 الهندية سوى تطرف المشاعر واللياقة البدنية ، رقصاً وقتالاً وألواناً ، وفات عليه وعلى الكثيرين أن الإنجازات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية لم تكن صنيعة الديموقراطية ، بل كانت الحاضن لها

السينما الهندية ، وخاصة خلال العقدين الأخيرين ، قد ركزت على المبادرات الفردية والاجتماعية للخلاص من التخلف المجتمعي ، وعلى الرغم من التماس الخطر لهذا التوجه مع الحرية الاقتصادية ، إلا أن الهنود (الذين لا يحترمهم متحدثي الضاد)  كانوا أكثر وعياً بالتناسب بين الحملات والمردودات السياسية والاجتماعية ؛ فلا المجتمع بإمكانه الاستغناء عن أصحاب رؤوس الأموال ممن يمسكون بتلابيب المال والإنتاج والثروة ، ولا بمقدوره كذلك سحق القواعد الشعبية التي تملأ بسواعدها الحقول والمصانع ودواليب الخدمات


وبرغم صعوبة المعادلة التي فشلت كل الدول العربية وغالب الأفارقة والأسيويين في تحقيقها ، إلا أنها لا تتناقض كثيراً مع مسيرة تراكمات الأحزاب السياسية الهندية يسارية أو يمينية ، والقصد هنا أن الطبقة المتعلمة والصفوة الريادية في الهند قد صاغت فيما بينها ميثاق غير مكتوب يرسم أطر التصالح أو التوافق أو التهجم على الأحزاب الحاكمة (وفق الفيدرالية الهندية) بما لا يؤدي إلى المساس بالأمن القومي أو المستهدف القومي لمليار من البشر

هكذا رسمت السينما الهندية إطار للفساد والإفساد لا يرتبط بالنظام السياسي بل بالمعادلات الاجتماعية ، ينهار الفساد بالتعليم والصحة والسكن وليس بالمظاهرات والمقالات والشعارات ، وبالطبع فإن معظم متحدثي الضاد لا يعلمون شيئا عن الهند برغم قرب الجغرافية والتاريخ والاقتصاد ، ولذا يفوت عليهم أن غالب حلول المشكلات الاجتماعية الاقتصادية في الهند هي مبادرات الجمعيات الغير ربحية ، وهذا يشمل كل شي تقريبا بما فيها التوعية السياسية للممارسات الديمقراطية والحقوق والواجبات ، وكما أن نظام التعليم الهندي يخصص مساق للراغبين في العمل الحكومي ،  فإن القبول للتعليم العالي يخضع لامتحانات دقيقة ، ومن يسقط بين 
الاثنين يشكلون وقود دواليب الإنتاج والخدمات ، وهكذا تنمو البلاد

أما عن المفاهيم الاجتماعية ، فهي نتاج الأنموذج الرأسمالي أو الأنموذج التعاوني ، أحدهما يشعل فتيل المنافسة والأخر يرفع المساواة والآخاء منهاجا ، وكذلك لم تقصر السينما الهندية في تقديم كلاهما مع التأكيد على المرجعية الدينية ليس لتهدئة الصدام ولكن لتسكين المعذبين ، لقد أدرك القائمون على الأمر أن الغليان الشعبي ليس في صالح أحد ولذا يجب إتاحة الفرصة لتحويل هذه الطاقة إيجابيا لخدمة المجتمع

ولعل نقض الطلاق الثلاثي أو الاعتراف بالمثلية أو تجريم أحد الزعماء الروحيين كما حدث خلال الأيام القليلة الماضية يقدم الصورة الحضرية للمجتمع الهندي الذي 
ينوء بمشكلات تعد مشكلاتنا بالمقارنة إليها رفاهية خيالية

لعلي أنصح الأسواني ومن على شاكلته أن يجربوا اتخاذ أصدقاء من الحيوانات ، مثال الفيلم الهندي الشهير: الفيل صديقي

No comments:

Post a Comment