Wednesday, August 22, 2018

فذلكة تاريخية حول لغز الباب المسدود في الكعبة المشرفة



محمد عوض المنقوش

عندما جآئت ريح عاصف يوم التروية لهذا العام حتى انكشف كسآء الكعبة عن حجارتها قال البعض أن هذا علامة زوال ملك أل سعود ، أسوة بما حكاه ابن كثير -رحمه الله- عن أحداث 644 للهجرة فى البداية والنهاية قال
وفيها هبت رياح عاصفة شديدة بمكة في يوم الثلاثاء من عشر ربيع الآخر ، فألقت ستارة الكعبة المشرفة، وكانت قد عتقت ، فإنها من سنة أربعين لم تجدد لعدم الحج في تلك السنين من ناحية الخليفة ، فما سكنت الريح إلا والكعبة عريانة قد زال عنها شعار السواد
وكان هذا فألا على زوال دولة بني العباس ، ومنذرا بما سيقع بعد هذا من التتار لعنهم الله
والحقيقة ؛ أن سيدنا ابراهيم ابن سيدنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم توفي في يوم كسفت فيه الشمس فقال الناس إن الشمس كسفت لموت ابراهيم فرد النبي على هذا فقال ان الشمس لا تكسف لموت احد ، وعليه ؛ فما يحدث من ظواهر طبيعية واحداث لا تلازم بينه وبين شيء يحدث لنا كما انه ليس يدل على غضب الله كما قال البعض في خيام منى التي طارت فقالوا هذا غضب من الله على العباد
بل كان ينبغي ان كان هناك تفسير أن يكون بحسن الظن فى الله فنقول وكأن الله يقول لملائكته انظروا الى عبادي ارسلت عليهم ريحا وهم مكانهم لا يبرحون فقد اتوني يريدون رحمتي
وأن كسآء الكعبة عندما انحسر عن جدرها وحجارتها كان على عين المحب ان تقول

أماطت عن محاسنها الخمارا===وغادرت العقول بها حيارا
وبثت في صميم القلب شوقا ::: توقد منه كل الجسم نارا

                                            .........................................




كذلك أفاض أحد الكتاب اليمنيين

أثارت صورة الكعبة المشرفة وقد خلعت الريح كساءها الجميل ، واظهرتها كما هي بحجارتها السوداء والباب الصغير المسدود في أحد أركانها اهتمام المسلمين شرقا وغربا
وكان الجواب الذي انتشر جوابا على لغز "الباب المسدود" إنه الباب الذي استحدثه عبد الله بن الزبير سنه 64 هجرية ، ثم سده الحجاج بن يوسف عندما اقتحم الكعبة وقتل عبد الله بن الزبير سنة 73 هجرية 693 ميلادية
لكن هذا الجواب مستحيل من الناحية التاريخية ، وخاطيء من الناحية العلمية ، لأن بناء الكعبة الذي شاهدناه في الصورة قبل يومين
ليس نفس البناء الذي استحدثه عبد الله بن الزبير بل بناء جديد تماما استحدث بعد ذلك بحوالي 950 سنة

لأشرح ما أقصده يجب أن نفرق بين التاريخ المقدس والتاريخ الزمني لمكة

التاريخ المقدس يدعي ان بناء الكعبة الذي ندور حوله اليوم في الحج هو نفس البناء الذي اقامه النبي ابراهيم
 لكن التاريخ الزمني يقول ان الكعبة تهدمت عشرات المرات من بينها 4 مرات على الأقل بعد الإسلام

المرة الأولى سنة 64 هجرية على يد يزيد بن معاوية الذي قصف بن الزبير المحتمي داخل الكعبة بالمنجنيق حتى دمرها. ثم أعاد عبد الله بن الزبير الكعبة مستحدثا الباب الذي توهم البعض أنه نفس الباب المسدود الذي ظهر في صورة الأمس 
لكن هذا خطأ كبير لأن كعبة بن الزبير هدمت مرة أخرى بعد أقل من عشر سنوات على يد الحجاج بن يوسف

واذا كنتم تظنون ان بناء الكعبة الذي نطوفه اليوم هو نفس كعبة الحجاج فهذا غير صحيح ايضا، فقد تعرضت الكعبة لتهديم ثالث على يد القرامطة سنة 317 هجرية ( 930 ميلادية
ورغم أن الكعبة لم تدمر كليا في هذه الحادثة الا انها تضررت كثيرا ونهب القرامطة الحجر الاسود واعيد ترميم الكعبة ترميما كاملا

لكن الكعبة التي نطوف حولها اليوم ليست نفس الكعبة التي نجت من القرامطة ، فقد اكتسح سيل قوي مكة وسبب شروخا في جدران الكعبة واساساتها قبل 400 سنة
وعندما فكر الخليفة العثماني في هدم الكعبة وبنائها من جديد نصحه العلماء ألا يفعل خوفا من رد فعل الناس، فقام بتزويدها بدعامات واعمدة لم تصمد طويلا وانهار بيت الله الحرام
امام هذه الحقيقة أعيد بناء الكعبة عام 1630 ميلادية. وإذا كانت كعبة اليوم هي نفس الكعبة العثمانية فإن عمر البناء لا يزيد عن  400 سنة

ولغز  الباب المسدود لا يعرف تفسيره إلا المقاول العثماني الذي قام بإعادة البناء

لكن هناك احتمال أن الكعبة تعرضت لتصدعات خطيرة مرات أخرى بعد ذلك التاريخ ، والسبب في ذلك انها مبنية وسط وادٍ يتعرض لسيول قوية في موسم الأمطار ، كان من اقواها السيول التي غمرت بناء الكعبة حتى منتصفه في ستينيات القرن الماضي
وربما اضطرت السلطات لترميم الكعبة مرة أخرى أو إعادة بنائها من جديد

هناك حادثة قريبة لم يتنبه الناس إلى انها قد تحمل تفسيرا للباب المسدود في الكعبة وهي حادثة اقتحام جهيمان العتيبي للكعبة  مع 300  من أنصاره عام 1979
فشلت كل محاولات «الحرس الوطني السعودي" وقتل العشرات منهم دون تحقيق الهدف..واضطرت السلطات السعودية، إلى الاستعانة ب"الطير الابابيل" لحماية الكعبة
والطير الابابيل هذه المرة كانت فرقة من "القوات الخاصة الفرنسية" ستنجح في اقتحام الحرم المكي في معركة دامية  قتل فيها معظم أنصار جهيمان واعتقاله
وهناك احتمال أن الكعبة المشرفة تعرضت لأضرار كبيرة في عملية الاقتحام، وفي هذه الحالة قد يكون لغز الباب المسدود مرتبطا هذه الحادثة

انتهت الفذلكة التاريخية التي أردت فيها التفريق بين التاريخ المقدس والتاريخ الزمني لاقدس بناء في الإسلام

نسأل الله تعالى ان يبلغنا حج بيته المعظم ، وأن يحمينا ويحمي بيته ويوفقنا بقدرته هو العزيز القدير القوي ارحم الراحمين


No comments:

Post a Comment