تاريخ العصر المملوكي .. (9)
------------------------------------------------------------
ملخص ماسبق
▪︎قسم مقتل أقطاي المماليك إلى قسمين يتربص كل منهما بالآخر، هما المماليك البحرية والمماليك المعزية ؛ وظل المماليك، الذين فروا إلى بلاد الشام، يسببون المتاعب لأيبك فأخذوا يحثون الزعماء الأيوبيين على مهاجمة مصر .
وبالفعل خرج الناصر يوسف والمماليك البحرية من دمشق للهجوم على مصر ، وعسكروا قرب غزة، لكن الأمر انتهى بتدخل الخليفة العباسي مجدداً، فأرسل البادرائي للوساطة بين الطرفين، ونجح في تجديد معاهدة الصلح على أن يستعيد أيبك ساحل بلاد الشام ؛ وألا يؤوي الملك الناصر أحداً من المماليك البحرية .
▪︎بعد تظاهرها بالتخلي عن السلطة بزواجها من أيبك ؛ أحكمت شجرة الدر سيطرتها على زوجها وأرغمته على هجر زوجته.الأولى أم ولده علي، ومنعته من زيارتهما .
ولم يلبث أيبك أن سئم الحياة معها وخشي على نفسه من غدرها ؛ وتفاقمت الخلافات بينهما عندما علمت أن زوجها عزم على الزواج من ابنة الأتابك بدر الدين لؤلؤ صاحب الموصل .
وعلم أيبك بما بين زوجته شجر الدر والمماليك البحرية بالكرك من مراسلات و اتفاقات ؛ وأنها تتزعم حركة المعارضة الداخلية والخارجية لسلطته .
هجر أيبك شجرة الدر و أقام بمناظر اللوق ؛ و صار كل منهما يتربص بالآخر ؛ وأبلغ بدر الدين لؤلؤ أيبك بما اتصله من أن شجرة الدر أرسلت سرا إلى الملك الناصر يوسف في دمشق بهدية ورسالة تخبره فيها أنها عزمت على قتل أيبك والتزوج منه وتمليكه عرش مصر ، إلا أنه ظنها خدعة فلم يجبها .
▪︎أرسلت شجر الدر إلى أيبك رسالة رقيقة تتلطف به وتدعوه بالحضور إليها بالقلعة ، فاستجاب لدعوتها وهناك قتله غلمانها في الحمام ؛ و ادعت أنه سقط عن ظهر حصانه ؛ وأسرع المماليك إلى القلعة ، وقبضوا على الخدم والحريم ، وبتعذيبهـم إعترفوا بحقيقة ما حدث .
واعتقلت شجرة الدر في البرج الأحمر بالقلعة حماية لها إلا أن مماليك أيبك المعزية أخرجوها و أرسلوها إلى ضرتها أم على زوجة أيبك الأولى فأمرت جواريها بضربها بالقباقيب الى ان ماتت ، والقوها من سور القلعة إلى الخندق .
ونصب المماليك المعزية الصبي "علي" إبن سيدهم أيبك سلطانا مكان أبيه ولقبوه بالمنصور ؛ واعترض المماليك الصالحية على سلطنته ، واتفقوا على سلطنة أتابك العسكر الأمير علم الدین سنجر الحلبي وحلفوا له ؛ ولكن سرعان ما قبض عليه المماليك المعزية وسجنوه في الجب بالقلعة .
وحاول أنصاره الصالحية الفرار للشام فلحق بهم المعزية و قبضوا على عدد كبير منهم ؛ مما أدى إلى إستياء الطوائف المملوكية الأخرى مثل الأشرفية،حتى أشيع أنهم اتفقوا على إزالة نفوذ المعزية من الدولة ، فما كان من المعزية الا ان قبضوا عـلى الأشرفية ونهبوا دورهم .
وهكذا بدت مصر وسلطانهـا صبى بما يترتب على ذلك من مؤامرات داخلية وفتن ، فضلا عن الخطر الخارجي الأدهى و الأعظم ، وهم المغول الذين اقتحموا بغداد و ساروا إلى الشام و خطوتهم التالية هي مصر •
-------------------------------‐------------------------------------
كان إجلاس السلطان الصبي على العرش مسألة قصد بها كسب الوقت حتى يتمكن واحد من كبار المماليك الطامعين في عرش السلطنة أن يحسم الصراع لصالحه ..
إن المماليك لم يؤمنوا بنظام وراثة العرش، إذ طبيعتهم العسكرية من ناحية، وشعورهم بأنهم جميعاً سواء من ناحية أخرى، جعل كبار أمرائهم يعتقدون أنهم جميعاً يستحقون العرش والذي سيفوز به لاشك هو اقواهم، واقدرهم على الإيقاع بالآخرين ...
وكان هذا مشهداً تكرر كثيراً طوال عصر سلاطين المماليك، بل إننا لا نبالغ إذا قلنا إن هذه كانت ممارسة سياسية حظيت بإعتراف الجميع طوال ذلك العصر
ولم يشأ (سيف الدين قطز) أن يتعجل الأمور ويواجه المتنافسين، وأمسك بيده زمام السلطة الفعلية تاركاً للسلطان الصبي شعار السلطنة ولقبها.. ولا شيء أكثر من ذلك ، وبات قطز من عرش مصر قاب قوسين أو أدنى .
----------------
كان سيف الدين قطز مشغولاً بترتيب الأوضاع السياسية الداخلية لصالحه ، على حين كانت الإشاعات تملأ سماء القاهرة بأن السلطان الصبي يريد خلع قطز مملوك أبيه وصاحب اليد البيضاء في توليه عرش البلاد
وإجتمع الأمراء في بيت أحد كبارهم، وتكلموا إلى أن نجحوا في إصلاح الأمور بين الملك المنصور علي وبين مملوك أبيه الأمير قطز ،..
فخلع المنصور على قطز الخلع وطيب قلبه وهكذا توطدت مكانة سيف الدين قطز في الدولة .
وفي الوقت نفسه كانت الأحوال متردية تماماً بسبب الفتن التي أثارتها طوائف المماليك في القاهرة .. وعلا في هذه الأوضاع المضطربة، نجم الأمير سيف الدين قطز، نائب السلطنة كأقوى أمير مملوكي، فأخذ على عاتقه توحيد صفوف المماليك من مشكلة الحكم ؛
وعاشت البلاد خلال ذلك فترة قلق، واضطراب، وعدم استقرار، وهي المظاهر التي نشأت عن قيام صبي قاصر في السلطنة، ومجموعة من الأمراء المتنافسين حول كرسي الحكم .
ونتج عن هذا التنافس بين الأمراء و مشكلة الحكم، والفوضى التي عمت البلاد، أن تعرضت مصر لضغط أيوبي متزايد .
كما كان خطر محاولات الغزو الفاشلة التي قام بها المغيث عمر في ذي القعدة ٦٥٥هـ/١٢٥٧م وفي ربيع الأول سنة ٦٥٦هـ/١٢٥٨م يقلق بال قطز ..
ذلك أن المماليك البحرية الصالحية الذين التجأوا إلى الكرك، بعد أن ساءت العلاقات بينهم وبين الناصر یوسف صاحب دمشق وحلب، حرضوا المغيث عمر الأيوبي على غزو مصر ملك آبائه وأجداده، وقد تزعم هذه المجموعة من المماليك "بيبرس البندقداري"
استجاب صاحب الكرك "المغيث عمر" لدعوتهم، وأمدهم بالسلاح والمال، وسعى بمساعدتهم إلى الاستيلاء على مصر وخرجت مجموعة من المماليك تبلغ ألف فارس باتجاه الحدود المصرية لغزوها والسيطرة على الحكم .
ويبدو أن قطز كان الأسرع إلى التحرك، إذ عندما علم بأنباء الزحف المملوكي الصالحي خرج من القاهرة على رأس قوة عسكرية لصد خطرهم،...
وتمكن من أن ينزل بهم الهزيمة عند الصالحية في شهر (ذي القعدة، عام 655 ه/ شهر تشرين الثاني عام ۱۲٥٧م)، وأسر عددا كبير منهم مثل قلاوون الألفي وبلبان الرشيدي، إلا أنه أطلق سراح معظهم بعد ذلك أملا في استقطابهم ، لكن بعضهم عاد إلى الكرك .
ويبدو أن التحالف المملوكي الصالحي - الأيوبي لم يكف عن محاولة الاستيلاء على مصر، فجدد عملية غزو هذا البلد مستفيدا من الظروف السياسية القلقة التي عمت بلاد الشام ومصر ، نتيجة الأخبار المتواترة عن اقتراب خطرالمغول، وحثوا المغيث على الخروج معهم هذه المرة لأخذ مصر .
وفعلا خرج المغيث عمر على رأس الحملة العسكرية. وتعيد الكرة نفسها ، حيث خرج الأمير قطز وتصدى للمهاجمين عند الصالحية وأنزل بهم هزيمة قاسية ..
وكان ذلك في شهر (ربيع الآخر عام ٦٥٦ ه / أواخر شهر نيسان عام ۱۲٥۸م)، و فر المغيث عمر إلى الكرك في حين اتجه المماليك البحرية إلى الطور حيث اتصلوا بالأكراد الفارين من وجه المغول .
كانت هذه هي الظروف التي واجهت دولة المماليك الناشئة وهي لم تزل في دور التكوين، في الوقت الذي اشتد فيه الخطر المغولي بزعامة هولاكو بعد أن وصل إلى بلاد
الشام عقب إسقاطه الخلافة العباسية، فعم الاضطراب والقلق أرجاء مصر.
وقد خلقت هذه الظروف الخارجية وضعا حرجا يتطلب وجود رجل قوي على رأس السلطنة، فوجد قطز الفرصة سانحة ليتبوأ عرش مصر، فعزل المنصور نور الدين علي في شهر ذي القعدة عام ٦٥٧ ه/ شهر تشرين الثاني عام ۱۲٥۹م) بمساعدة الأعيان والأمراء المعزية، ثم قبض عليه وعلى أخيه قاآن وأمهما وسجنهم في برج السلسلة بثغر دمياط .
بيد أنه كان على قطز أن يواصل ترتيب أمور المملكة في الداخل وبعد أن واجه الخطر الخارجي، فقد قبض على جماعة من الأمراء لميلهم إلى (لملك المغيث عمر) في هذا الشهر نفسه، وهم:
الأمير (عز الدين آيبك الرومي الصالحي)،
والأمير (سيف بلبان الكافوري الصالحي الأشرفي)، والأمير (بدر الدين بكتوت الأشرفي)،
والأمير (بدر الدين بلغان الأشرفي) وغيرهم،
وضرب أعناقهم في السادس والعشرين من ربيع الأول واستولى على أموالهم كلها ، وبذلك إزدادت القامة السياسية لسيف الدين قظز طولاً..
ولكن الدولة التي يحكمها سلطان في سن الصبى بدت واهنة ضعيفة وغير قادرة على تحمل مؤامرات الصغار ولعبهم بأقدار البلاد والعباد
-------------------
ثم بدأ صدى طبول الحرب التترية يتردد على حدود السلطنة الوليدة بمصر ، ولم يكن بوسع السلطان الصبي (نور الدين علي) أن يفعل شيئاً إزاء هذا الخطر الداهم، فقد كان يقضي وقته في ركوب الحمير والتنزه في القلعة.. ويلعب بالحمام مع الخدم
ومع كل خبر جديد عن وحشية التتار كانت الأحوال تزداد إضطراباً والقلق يفترس نفوس الناس .
وتعين على الأمير سيف الدين قطز نائب السلطنة أن يخطو الخطوة الأخيرة نحو العرش من ناحية وتدعيم نفوذه السياسي الداخلي من ناحية أخرى والاستعداد لمواجهة التتار، من ناحية ثالثة .
ومع اقتراب جحافل التتار من الشام أرسل الملك الناصر يوسف من دمشق الى مصر المؤرخ والفقيه المعروف كمال بن العديم يستنجد بعساكرها...
وهكذا بدأت الحرب تطل بوجها المرعب، على الساحة السياسية في مصر، وكان النجم الساطع في تلك الساحة هو الأمير (سيف الدين قطز) .
ولما قدم ابن العديم إلى القاهرة، عقد مجلس بالقلعة حضره السلطان الصبي الملك المنصور نور الدين علي، وحضره كبار أهل الرأي من الفقهاء والقضاة، مثل:
☆ قاضي القضاة بدر الدين حسن السنجاري،
☆والشيخ عز الدين بن عبد السلام،
☆ وكان سيف الدين قطز بين الحاضرين،
وسألهم الحاضرون عن أخذ الأموال من الناس لإنفاقها على الجنود فأفتى الشيخ عز الدين بفتواه المشهورة التي يأتي تفصيلها عند الحديث عن عين جالوت بإذن الله تعالى
وكان هذا الاجتماع من الأدوات السياسية التي أحسن سيف الدين قطز استغلالها للوصول إلى هدفه النهائي، عرش مصر وقتال التتار،
وكان ذلك الاجتماع الذي عقد بحضور السلطان الصبي آخر خطوات قطز صوب عرش مصر وقتال التتار .
--------------------------
وبينما كان هولاكو يجتاح أقاليم العالم الإسلامي الشرقية كان نجم سيف الدين قطز يزداد سطوعاً وتزداد قامته السياسية طولاً، وكأنه على موعد مع التاريخ لكي ينجز مهمته الكبرى في هزيمة الجحافل التترية الظالمة
لقد استغل قطز إجتماع القلعة لخلع السلطان الصبي، وأخذ يتحدث عن مساوئ المنصور علي، وقال: لا بد من سلطان قاهر يقاتل هذا العدو، والملك الصبي صغير لا يعرف تدبير الملك
وساعده على الوصول لهدفه أن مفاسد الملك المنصور علي كانت قد زادت حتى انفض الجميع من حوله واستهتر في اللعب وتحكمت أمه فاضطربت الأمور ...
وجاءت الفرصة تسعى إلى سيف الدين قطز عندما خرج أمراء المماليك المعزية والبحرية إلى الصيد في منطقة العباسية بالشرقية وفي غزة، وعلى رأسهم سيف الدين بهادر والأمير علم الدين سنجر الغتمي، في يوم السبت 24 ذو القعدة سنة 657هـ/1259م ...
وقبض قطز على الملك المنصور وعلى أخيه قاقان وأمهما وإعتقلهم في أحد أبراج القلعة، فكانت مدة حكم المنصور سنتين وثمانية أشهر وثلاثة أيام .
وهكذا اكتملت رحلة المملوك قطز صوب العرش، وصار سلطاناً على الديار المصرية، وجلس على سرير الملك بقلعة الجبل في نفس اليوم، واتفق الحاضرون على توليته، لأنه كبير البيت ونائب الملك وزعيم الجيش، وهو معروف بالشجاع والفروسية، ورضى به الأمراء الكبار والخوشداشية وأجلسوه على سرير الملك ولقبوه بالملك المظفر
---------------------------------------------------------------------
ترتيب سيف الدين قطز للأمور الداخلية
لم يكن جلوس قطز على عرش السلطنة نهاية لرحلة المملوك إلى عرش السلطان، إذ كان على السلطان المظفر سيف الدين قطز أن يوطد دعائم حكمه في الداخل قبل أن يتوجه للقاء عدوه في الخارج، ...
فبدأ بتغيير الوزير ابن بنت الأعز، وولى بدلاً منه زين الدين يعقوب عبد الرفيع بن يزيد بن الزبير، ...
ثم كان عليه أن يواجه معارضة كبار الأمراء الذين قدموا إلى قلعة الجبل، وأنكروا ما كان من قبض قطز على الملك المنصور، ووثوبه على الملك، فخافهم واعتذر إليهم بحركة التتار إلى جهة مصر والشام، وقال سيف الدين قطز في سياق تبريره لما حدث :
" وإني ما قصدت إلا أن نجتمع على قتال التتار، ولا يتأتى ذلك بغير ملك، فإذا خرجنا وكسرنا هذا العدو، فالأمر لكم، أقيموا في السلطنة من شئتم "
وأخذ يرضي أمراء المماليك حتى تمكن على حد تعبير المقريزي
وما أن شعر أن سلطته قد رسخت حتى أخذ يتخلص من كل من يشكل تهديداً على عرشه،...
فأرسل المنصور علي وأخاه وأمه إلى دمياط، واعتقلهم في برج بناه هناك وأطلق عليه أسم برج السلسلة، ثم نفاهم جميعاً إلى القسطنطنية،
بعد ذلك قبض السلطان سيف الدين قطز على :
الأمير علم الدين سنجر الغتمي،
والأمير عز الدين أيدمر النجيبـي الصغير،
والأمير شرف الدين قيران المعزي،
والأمير سيف الدين بهادر،
والأمير شمس الدين قراسنقر،
والأمير عز الدين أيبك النجمي الصغير،
والأمير سيف الدين الدود خال الملك المنصور علي
والطواشي شبل الدولة كافور لالة
والطواشي حسام الدين بلال المغيثي الجمدار،
واعتقلهم، وهكذا تمكن من التخلص من رؤوس المعارضة،
ومن ناحية أخرى، بدأ السلطان المظفر سيف الدين قطز يختار أركان دولته ويوطد دعائم حكمه، فحلف الأمراء والعسكر لنفسه، ..
واستوزر الصاحب زين الدين يعقوب بن عبد الرفيع، وأقر الأمير فارس الدين أقطاي الصغير الصالحي المعروف بالمستغرب أتابكاً وفوض إليه وإلى الصاحب زين الدين تدبير العساكر واستخدام الأجناد، وسائر أمور الجهاد والاستعداد للحرب ضد التتار،
لقد ضمن سيف الدين قطز هدوء الأحوال داخل دولته، بيد أنه كان ما يزال متوجساً من ملوك الأيوبيين في بلاد الشام، خاصة الناصر يوسف الأيوبي صاحب دمشق وحلب،
وعندما علم بخبر قدوم نجدة من عند هولاكو إلى الملك الناصر بدمشق، خاف من عاقبة ذلك وكتب إليه خطاباً رقيقاً يحاول فيه تجنب المواجهة وأقسم قطز بالإيمان أنه لا ينازع الملك الناصر في الملك ولا يقاومه،
وأكد له أنه نائب عنه بديار مصر، ومتى حل بها أقعده على الكرسي وقال قطز أيضا ً: …
" وإن أخترتني خدمتك، وإن إخترت قدمت ومن معي من العسكر نجدة لك على القادم عليك، فإن كنت لا تأمن حضوري سيرت لك العساكر صحبة من تختاره "
وهكذا ظهرت من قطز معاني من التضحية والتواضع والحرص على وحدة الصف ساعدته للتصدي للمشروع المغولي وكسره في عين جالوت يأتي الحديث عنه مفصلاً بإذن الله في الفقرات القادمة.
---------------------------------------------------------------------
نعود إلى الوضع في الشام في تلك الفترة
دمشق : بعد سقوط حلب أرسل هولاكو رسلاً من قبله إلى دمشق دخلوها ليلة الإثنين السابع عشر من صفر سنة 658هـ/ فبراير 1260م وهم يحملون فرماناً منه تأمين المدينة وأهلها مقابل تسليمها، وقرئ هذا المرسوم على الناس بدمشق بعد صلاة الظهر .
موقف بيبرس البندقداري :
وفي هذا الموقف الحرج أشار بعض كبار أهل دمشق وعلى راسهم الأمير زين الدين الحافظي، بمداراة المغول والدخول في طاعة هولاكو، لتجنيب دمشق وأهلها ما حل بحلب من الهلاك والدمار والخراب،
ولكن ذلك الرأي لم يجد التأييد الكامل من أهل دمشق، حيث رفضه البعض وعلى رأسهم ركن الدين بيبرس، وصاح في وجه زين الدين قائلا ً: أنتم سبب هلاك المسلمين،وكان بيبرس قد ترك مصر ولحق بخدمة الناصر بدمشق إثر مقتل قائده فارس الدين أقطاي على يد أيبك السلطان .
ويبدو أن الملك الناصر يوسف كان على رأي زين الدين الحافظي، فحاول بعض أتباع بيبرس من طائفة المماليك البحرية، قتل الملك الناصر، وتولية حاكم آخر عالي الهمة، نافذ الرأي، يستطيع جمع الناس للجهاد في سبيل الله وقيادتهم في ميدان القتال لصد العدوان المغولي والدفاع عن الإسلام وأهله،
إلا أن بيبرس تخلى عن دمشق وذهب مع جماعة من المماليك البحرية إلى غزة، حيث استقبله أميرها أحسن إستقبال، وفيها سير بيبرس رسولاً من قبله إلى السلطان المظفر قطز ليحلفه على إعطائه الأمان ونجح في المصالحة مع قطز الذي وعده الوعود الجميلة،
عظم قطز من شأنه جداً وأنزله دار الوزارة وعرف له قدره وقيمته وأقطعه (قليوب) وما حولها من القرى، وعامله كأمير من الأمراء المقدمين وجعله على مقدمة جيوشه فيما بعد،
و نلاحظ من ذلك صفات قطز القيادية وهي العفو عند المقدرة وإنزال الناس منازلهم، والفقه السياسي الحكيم، والحرص على الوحدة،
وقد إستطاع سيف الدين قطز أن يستفيد من طاقات المماليك البحرية وإمكانياتهم وتقوية الجيش بهم .
وفتح كذلك أبواب مصر أمام فلول الممالك الإسلامية في الشرق الإسلامي التي تعرضت للغزو المغولي، فدخل جموع الخوارزمية الفارة من وجه المغول لمصر، ورحب بهم سيف الدين قطز، وكذلك جموع الشام، ومعهم الملك المنصور صاحب حماه وغيرهم.
وهكذا أصبح بيبرس من أكبر أعوان قطز الذين ساهموا للتخطيط لمعركة عين جالوت وقيادة الجيوش الإسلامية وتحيق ذلك النصر المؤزر الذي بدد أحلام المغول بكاملها .
------------‐-----------------------------------------------------
الهامش لم يستكمل بعد فنرجو عدم النسخ و تعريض صفحاتكم للبلاغات من طرفنا #جواهر_الأدب_والتاريخ
--------------‐-----------------------------------------------------
[☆1] انظر د. محمد سهيل طقوش : تاريخ المماليك في مصر
وبلاد الشام ط 1 دار النفائس 1997م ص 59 - 64
[☆2] د. أحمد مختار العبادي ، قيام دولة المماليك الأولى طبعة دار النهضة ١٩٨٦ القاهرة ، ص 145 - 155
[☆3] د.علي محمد الصلابي ، السلطان سيف الدين قطز ص 49 -57
[☆4] التتار من البداية إلى عين جالوت - السرجانى ص134 وما بعدها .
-----------
إضافات
-المنصوري: التحفة المملوكية في الدولة التركية ص۳۹ ؛ص٤٠
- ابن عبد الظاهر : تشريف الأيام والعصور في سيرة الملك المنصور : ص٥٧ ؛ ص٥۸ - ٥۹.
- العيني عقد الجمان في تاريخ أهل الزمان: ج۱، ص۱٥۷ ؛ص۱۸۱
-المقريزي السلوك لمعرفة دول الملوك : ج ١، ص٤٦.
- ابن تغري بردي النجوم الزاهرة : ج١، ص ٤٤. ص ٤٦
-النويري نهاية الأرب : ج ۲٩، ص٤٩٨.
No comments:
Post a Comment