مكونات الدولة: غرب السودان من الإستغلال الى الإستقلال- محمد النور كبر
سيدخل السودان في السنة القادمة تجربة سياسية جديدة على اهله ، و هي تجربة الإستفتاء الذي مقرر له أن يحدث في جنوب السودان ، و بالتالي السماح لأهل جنوب السودان تقرير امر ذو وجهين: اما التصويت لصالح الإستقلال و تكوين دولة مستقلة جديدة ، و أما التصويت لصالح الإستمرار في الوحدة و يظل السودان قطر واحد مثلما كان منذ لحظة تكوينه.. تجربة الإستفتاء ينتظرها ايضا اهل الأقاليم الأخرى ، و التي تريد أن ترتب امورها على نتيجة ذلك الإستفتاء.. من بين تلك الأقاليم السودانية اقليم غرب السودان بمكوناته السياسية و الإدارية الحالية و هي: كردفان الكبرى (شمال و جنوب ) و دارفور الكبرى( شمال و جنوب و غرب).. الى حين وقت الإستفتاء المزمع ، ثمة هناك خطاب ايدولوجي اخذ حيزه من الرواج كثيرا ، و نسميه خطاب التثبيط ، وجوهر هذا الخطاب يذهب الى فرضية أن اقاليم السودان مثل جنوب السودان ، و غرب السودان ، لا تملك مكونات الدولة التي تؤهلها الى تكوين دولة مستقلة اذا قررت الإستقلال عن السودان بشكله الحالي.. هذا الخطاب يهمنا كثيرا في الجزئية التي تتناول غرب السودان و التي تذهب الى أن غرب السودان لا يملك مكونات دولة مستقلة ..و هنا سناقش مفهوم الدولة ، مكوناتها ، و ما يوجد على ارض الواقع في غرب السودان من تلك المكونات..و ايضا سنتعرض لذلك الخطاب من حيث الدوافع ، المكانيزمات الأيدولوجية التي تسنده ، و اغراضه
ما هي عناصر الدولة:
لتكوين دولة ، لابد من توفر عناصر بعينها ، و تشمل فيما تشمل تلك العناصر: عنصر الأرض ، المكون البشري ، الحكومة .. الوحدات الإدارية السياسية المكونة لغرب السودان الآن ، هي :ولايات كردفان الكبرى (شمال و جنوب) وولايات دارفور الكبرى (شمال ، جنوب ، و غرب)..تحتل هذه الولايات مساحة كبيرة ، حيث تقدر مساحة كردفان الكبرى بعدد (376145 ) كيلومترا مربعا ، و تقدر مساحة دارفور بعدد (510888) كيلومترا مربعا ، و بالتالي تكون مساحة غرب السودان عدد (887033) كيلو مترا مربعا .. و هي مساحة اكبر من مساحات دول عديدة في هذا الكوكب.. الأرض في غرب السودان تتنوع بين الأراضي السهلية المنبسطة ، الأراضي المرتفعة قليلا ( تلال) و بعض من الجبال التي لها وجود في كردفان و درافور.. المناخات متنوعة ، و بالتالي هناك تنوع في فرص الزراعة و اقتصادها . أرض غرب السودان ، ايضا غنية بالمواد المهمة ، فهي غنية بالبترول ، و اليورانيوم ، و عدد مقدر من المعادن الأخرى المهمة.. هناك ايضا ثروة غابية كبيرة ، و هي غير مستغلة حتى الآن الإستغلال الإقتصادي و التجاري الأمثل.. كل هذه عناصر نعتقد جزما أنها تشكل مكون مهم في مكونات الدولة ، فان كانت الأرض ، و هي اهم عنصر لتكوين الدولة ، متوفرة في غرب السودان ، فاننا لا نرى داعي لإثارة انعدام هذا العنصر ، و منها يمكننا التقرير بكل اطمئنان أن عنصر الأرض متوفر في غرب السودان لتكوين دولة مستقلة..! قد يثير البعض امر الدولة المغلقة ، بمعنى اذا استقل غرب السودان و كون اهله دولتهم المستقلة ، قد يجدون صعوبة أن الدولة الوليدة ليس بها معبر مائي و بالتالي غياب المياه الإقليمية.. ولا نعتقد أن هذه مشكلة كبيرة ،فمعظم الدول الأفريقية ، ليست لها معابر مائية أو مياه اقليمية/دولية ..و مع ذلك لم يتأثر وجودها كثيرا بغياب مثل ذلك العنصر..و بالتالى لا يؤثر ذلك في حالة غرب السودان
المكون الثاني في عناصر الدولة ، عنصر السكان ، سواءا كان اعتبار ذلك العنصر من حيث معيار نوعي أو كمي ، فأننا سنوضح ذلك و مدى انطباقه على حال السكان في غرب السودان.. عدد السكان في ولايات كردفان (شمال و جنوب) هو عدد (4327396) نسمة بحسب تعداد سنة 2008..و عدد السكان في ولايات درافور هو عدد (7515445) نسمة بحسب تعداد سنة 2008 ، و بالتالي مجموع عدد السكان في غرب السودان هو (11842841) نسمة..و هو عدد أكبر من عدد سكان بعض الدول المعتمدة في هذا الكوكب.. اذن من ناحية معيار كمي ، فان غرب السودان يملك العدد الكافي من المكون البشري الذي يؤهله لتكوين دولة مستقلة عن السودان.. من النواحي النوعية ، و نتحدث هنا بصورة مقتضبة عن النواحي الثقافية و النواحي الإجتماعية.. صحيح أن الثقافات في غرب السودان هي ثقافات متنوعة و متعددة ، و لكن يجمع بينها خصلة التعايش و قبول الأخر ..فكل الثقافات في غرب السودان متقاربة بنسبة كبيرة ، لدرجة تجعلها متشابهة و بالتالي وصفها بالثقافة الواحدة الكبرى ..و يصعب جدا وضع حدود ثقافية بين المجتمعات في غرب السودان.. المجتمعات في غرب السودان ، ايضا متشابهة الى حد كبير ، و طرائق المعيشة ، و بناء الإقتصاديات المحلية ، كلها امور متشابهة و متقاربة .. صحيح أن معظم المجتمعات في غرب السودان يغلب عليها الطابع الريفي و اقتصاد الزراعة و الرعي ، الإ أن هذه السمة مشتركة في جميع ارياف غرب السودان و تخلق نوع من التداخل الإيجابي الفريد.. صحيح أن وعي القبيلة و ذهنيتها متفشية في معظم مكونات المجتمع في غرب السودان ، الإ ان هذه الحال لم تصل بعد لتشكيل قضية كبيرة تمنع تعايش الناس مع بعضها البعض ، و التواضع على اتفاقات على اساس المصلحة و الوجود كمشتركات بينة بين الجميع..! و يمكن أن نخلص أن مكون السكان ( نوعيا أو كميا).. كعنصر من عناصر الدولة ، متوفر في غرب السودان
العنصر الثالث من مكونات الدولة ، هو عنصر الحكومة ، أو جهاز الإدارة في الدولة .. و هو عنصر لاحق في وجوده للعنصرين السابقين..و في يقيننا أن لا شعب يعجز في تكون هذا العنصر ، و انه من السهل أن يكون وفق اتفاق الجميع..ووفقا للمعطيات الحالية نرى أن غرب السودان يملك الكادر البشري النوعي الذي يمكن أن يكون نخبة و بالتالي يضطلع بدوره في القيادة الواعية الرشيدة..و هناك اسباب كثيرة تجعلنا نوقن بتحقق تلك النقطة.. فالمساهمات التي قدمها اهل غرب السودان في حكومات السودان المختلفة ، مشاركة البعض منهم في ادوار سياسية و ادارية و عسكرية لفترات طويلة ، كل تلك العناصر ساهمت في تحقيق التدريب الكافي..و بالتالي لا اظن أنه ستكون هناك صعوبة في تشكيل حكومة .. ولن تكون هناك صعوبة في وضع التصور السياسي و الإداري الذي يمكن أن يجتمع حوله سكان غرب السودان..! توفر هذه المكونات ، يجعل من فرصة تكوين دولة في غرب السودان مستقلة و ذات سيادة و صفة قانونية في الوسط الدولي ، فرصة كبيرة و اكثر من ذلك فرص نجاحها اكبر مما يتصوره الجميع في السودان عامة ، و في غرب السودان خاصة..! قد يتبادر الى ذهن البعض السؤال التالي: اذا كان غرب السودان فعلا يملك مكونات الدولة المستقلة..فماهي الأسباب التي تدعو اهله للمطالبة بالإستقلال أو تحقيق الإستقلال عنوة؟.. و من يسأل مثل هذا السؤال ، نسأله ايضا : و ماهي الأسباب المقعنة لبقاء غرب السودان جزءا من دولة السودان؟.. اليوم معظم اهل غرب السودان (رجالا و نساءا) يعتقدون جزما أن الظلم التأريخي الذي خلقته حكومات السودان المركزية (منذ الإستقلال في سنة 1956) قد اصبح حالة يعيها الجميع في غرب السودان ..ولا نود هنا أن نفصل انواع الظلم و اسبابها ، فهو قد غدت مساءل من الخطاب اليومي السائد ، ولا تحتاج الى تكرار..و لكننا سنضيف اسباب اخرى.. قد لا يفكر فيها البعض منهم اليوم و لكنها ستكون جزء من تفكير الغد القريب.. السناريو التالي مرتبط كثيرا بفرضية أن اهل جنوب السودان قد قرروا الإستقلال كنتيجة لإستفتاء 2011..فاذا ااستقل الجنوب و كون دولة منفصلة عن بقية السودان ، هل سيكون الوضع سلميا؟ هل لا تثور النزاعات المسحلة بين الفينة و الأخرى؟.. نعم ستثور مثل تلك المشاكل ، و لكن من سيخوض الحروب نيابة عن حكومة الخرطوم في الكيان المتبقي؟.. قد فعلها اهل غرب السودان في الحروب السابقة ، و منذ عام 1955.. حيث كانوا يخوضون الحروب نيابة عن حكومات الخرطوم ، بأي صفة كانت .. سواءا عن طريق المؤسسة العسكرية و القوات النظامية الأخرى ، أو عن طريق المؤسسات القتالية شبه الرسمية مثل المليشيات العديدة ..! و المستقبل يقول بأن اهل غرب السودان ينبغي عليهم أن لا يلعبوا هذا الدور مرة اخرى و يكرروا انتاج ازمتهم بصورة غبية.. هذا من ناحية..! من الناحية الأخرى.. في حالة غياب الجنوب ، فان الحكومات المركزية ستفرغ كل غبائنها في اهل غرب السودان .. صحيح في السابق كانت تلك الغبائن بصورة ضمنية و خفية، و لكنها في المستقبل ستكون بصورة علنية ..و بالتالي كل المآسي التي ذاقها اهل جنوب السودان سيتم تطبيقها في غرب السودان و بدم بارد للغاية..! و لكن ماذا سيحدث لو قرر الجنوب الإستقلال ، و قرر غرب السودان الإنفصال ايضا؟.. اذا حدثت هذه الواقعة ، فان الدولة المتبقية (ناقص الجنوب و ناقض الغرب).. ستكون ضعيفة للغاية ، و بالتالي فقدت قوة دفعها الذاتية من ناحية عسكرية ، و انها ستكون مضطرة لخوض حروب في اكثر من جبهة (جبهة جنوب السودان ، و جبهة غرب السودان)..في مقابل تلك الوضعية ، ستكون فرص الكيانات الوليدة اطيب و اكثر ايجابية ..فمن السهولة بمكان أن تخلق علاقات تعايش بين غرب السودان (كدولة وليدة) مع جنوب السودان (كدولة وليدة)..و بالتالي تأسيس قوة دفع و تأمين ذات منافع متبادلة بين الطرفين..فألأفضل للجنوب الآ يخوض حرب في جبهتين ( جبهة غرب السودان ، و جبهة السودان المتبقى..و نفس الأمر ينطبق على وضعية غرب السودان ، فألأفضل له الأ يخوض حرب في جبهة الجنوب ..و بالتالي سيسهل تشكيل تحالف لمواجهة خصم واحد
خطاب التثبيط: في سودان اليوم ، قد طرأت جراح في وجدان الجميع ، و قد يكون من لازال من اهل السودان يفكر بأن الأمور لم تتغير كثيرا.. فشعارات السودان الواحد الموحد.. قد فقدت بريقها تماما ، و ليس ذلك بفعل قوة خارجية غيبية ، و انما بفعل بعض البشر من أهل السودان ، و فكرة الإصلاح ما عادت مجدية و مقعنة ، لأن أليات الهدم و التدمير هي الأكثر فعالية و الأعلا صوتا في تشكيل الخطابات و طرحها كسلوك يومي..! من هذه الخطابات خطاب التثبيط الذي يسعى في اخرتجلياته و خلاصاته للإفادة بأن اقليم مثل غرب السودان لا يملك مكونات الدولة ، و بالتالي غير مؤهل لقيادة نفسه و خلق سيادته الخاصة..و مثل هذاالخطاب له دوافعه و اسبابه.. منها محاولة نشر ايدولوجيا الخوف و التخويف ..و ممارسة خصلة البقاء و الدفاع عن الذات المأزومة.. عقيدة الخوف و التخويف ، هي فعل ناجز في السودان ، و اول من يسعى لتأسيسه هو ما تسمى بالحكومات المركزية ، فهي تخشى كثيرا في حالة انهار السودان ، و لكي تتفادى تلك الوقائع فانها تسعى لخلق ايدولوجيا الخوف و هي ذات شقين: شق خاصة بنفسيات الحكومات المنهارة ..و شق يتوجه نحو الآخر في محاولة بائسة لقمعه..! حكومات السودان دوما ترفع عصاة الجهوية و العنصرية في نعت المخالف السياسي..و لكنها في ذات نفسها تؤسس للجهوية و العنصرية ، و ما المظالم التي يجأر بها اهل الأقاليم الإ واحدة من تجليات تلك الجهوية و العنصرية المؤسسة..! و افقار الشعوب المؤسس و المنساب بصورة منتظمة و دقيقة ، خاصة ما يخص شعوب غرب السودان ، ما هو الإ وجه من وجوه ايدولوجيا الخوف تلك.. بيد أن الأمر لم يتوقف الى حد الإفقار المؤسس ، و انما تعداه الى حدوث الإبادات البشرية و المصحوبة بأعتى ادوات القمع و المحو عن الوجود..فالإبادات في حق بعض شعوب غرب السودان لم تبدأ مع حروب دارفور الأخيرة ، و انما كانت مستمرة و لعشرات السنين منذ استقلال السودان.. و قد يعي الكثيرون من اهل غرب السودان ، اليوم قبل الغد ، بأن الفقر الذي ينتاب اقاليمهم لم يكن بفعل القدر أو الإرادة الخفية ، و انما من صنع البشر ، و بشر سوداني..و كذلك قد يعي أهل غرب السودان ، اليوم قبل الغد ، بأن الموت المجاني الذي انتاب و ينتاب وجودهم كبشر ، ليس هو من فعل القدر ولا الإرادة الخفية ، و انما هو من صنع البشر السوداني و بصورة مدروسة و مقصودة..فالحروب القبلية التي تثور في غرب السودان ، هي وجه من وجوه ايدولوجيا الخوف تلك ، و اقصى نتائجها التي تطمح الى تحقيقها تحطيم روح الكيان الواحد و استبداله بحالة فوضى تستفيد منها الحكومات في الخرطوم..! انضمت كردفان لسودان اليوم سنة 1898 ..و بعد بأقل من عشرين سنة (1916) انضمت دارفور..و نقول لأهل دعاة خطاب التثبيط.. قبل تلك التواريخ كانت كردفان و دارفور لها حكوماتها و كياناتها السياسية و الإدارية الخاصة.. فما الذي يمنع استلهام مثل ذلك التأريخ الثر و تكرار نفس التجربة؟.. لم تكن هناك وحدة جذرية و مشرفة في تأريخ السودان و منذ الإستقلال ، و انما كانت هناك وحدة فوقية لم تراعي كثير من المكونات و العناصر ، و يعي خطاب التثبيط و دعاته مثل تلك الحقائق ، و لكن من مبدأ غريزة الدفاع عن الوجود ، يتجاهلون مثل تلك الحقائق الموضوعية ، و يسعون الى تسفيه الآخر صراحة و ضمنيا..! مثل تلك الأيدولوجيا مصيرها الزوال ، و لن تبقى أو تصمد كثيرا ، فلو مارس البعض من اهل السودان تخويف الأخرين في السابق ، فان المستقبل القريب و البعيد..يقول بأن مثل تلك الأيدولوجيا لن تجدى و لن تفضى الى صلاح البتة..! ختاما نقول ، بقى المؤتمر الوطني في السلطة في السودان أو ذهب ،لابد أن يعيد اهل غرب السودان التفكير جيدا في شكل العلاقات المستقبلية مع السودان المركزي..و عليهم أن يعوا جيدا أن غرب السودان يملك مكونات الدولة و عليهم أن يسعوا لتحقيق ذلك ، فالبقاء في السودان بعد2011 لن يكون الإ تكرار للأزمات اياها ، و نعتقد أن اهل غرب السودان قد دفعوا الكثير الكثير من غير عائد ولا استحسان.. فماذا استمراء دور الضحية بلا مبرر واضح
hello adil, it might look like a far fetch call with plenty of halls in it but its one of coming scenarios that is going to face the region post 2011 referendum, but what has been discussed in dark hush is now coming out in the open, i don't see it as a new state of west sudan but the seed of discontent will push the region into years of unrest before the eventual takes effect ....
ReplyDeletethanks for stopping by
Elsadig Salatin
Within this context, I do agree.. an early warning of the inevitable storm to blow the dear Sudan..!! Hope you still enjoying Malaysia; with its forthcoming storms.. Regretfully, we did not meet there..!!
ReplyDelete