الثورة المصرية كان لها صبغة مؤسساتية منذ المهد
لعل الشأن المصري أكثر شئون العرب قابلية للتحليل العلمي ، بحكم التطور الحضري المؤسسي في مصر، هكذا يصير الحديث عن مصر أكثر معقولية في أقليم اللامعقول فيما بين نهري السند في الباكستان والملوية في المغرب، وفيما بين المتوسط والفكتوريا، فلا عجب أنه أقليم يزخر بالثروات والناس والتواريخ والأفكار والداسائس والاضطراب والجنون في آن واحد، ولعله سيستمر كذلك حيث قد أدركتنا فاصلة التغيير التاريخية ، ولم نحسن التمسك بها ، فانطلقت لشأنها مع الآخرين من حولنا
لقد مضى عهد الشعارات والملاحم الثورية، بحكم الاتصالات والفردية والنفعية والعلمانية كذلك، وسائر الأطر القديمة أصبحت بالية بينما ذوي الحماسة لها انقلبوا متعاطين للسياسة أو مدمنين للكلام أو مستسلمين للتوهان الإرادي.. كما صدق القول، فليس هناك من ابتكار أو أفكار للاستمرار، بل بكاء حار أو تمثيلي على نظريات (او شعوب او ثقافات) ماتت أو هي في حالة احتضار طويل ومستمر ، ويا له من عذاب أن يحتضر المرء دون أن يموت
وكما ينتشر القول، فالكل مشارك في الجريمة، والكل ضحية كذلك
العسكريتارية تطورت شأنها شأن كل شئ، بعد ثمن باهظ بين الاتهام والافراط، صبغ التيه مفاهيم الفروسية والقيادة والإيثار التي هي عمادها وعمودها، فصار الجند يخافون الصراصير ويرهبون الألم ويتوارون عن الساسة.. وفي مصر محور الحديث سقطت المؤسسة الأمنية الشبه عسكرية بمعدل استثنائي عالمي، ويتطلب الأمر الكثير لكي تسترد العافية، ولولا التأصيل الوطني الذي تديره مؤسسة الاستخبارات العامة لسقط الجيش المصري كذلك (السيسي كان يقود الاستخبارات العسكرية في 2011)
ولعل هذا ماقد أورد السودان إلى التهلكة، حيث فشل النميري في تأصيل ذات المؤسسة اعتماداً على الشعارات الحالمة للعسكريتارية السودانية، فلا نحن حقيقةً أرقنا دماء دفاعاً عن وطن.. وبالتالي صار الوطن مستباحاً لمن استطاع ارتداء البزة والنجوم والنياشين.. العمود الفقري للعسكريتارية السودانية كانوا (السودان) ذلك الخليط من النوبا والفور والدناقلة والنيليون.. من شكلوا البؤر السكانية في الموردة والسجانة والحلفاية.. من توارثوا تقاليد عسكرية صاغتها القبلية والبريطانية والمصرية والتركية.. ولعل هذا يرسم إطار منهاجية التطهير المؤسسي (أو العرقي) داخل الجيش السوداني
أرتضى من أرتضى وأبى من أبى
الجيش السودان قد تم تطهيره عرقياً
No comments:
Post a Comment