لست أديبا ، ولست أملك الزمن لكي أقتات الأدب ، ويكفينى ما قرأت من الأدب فيما مضى ، من كافة أرجاء المعمورة ، ولكنني أدرك أن الأدب هو مرآة للمجتمع في كل مرحلة زمنية ، يترجم ما لا يبوح به الكثيرين ، ويملأ فجوات الأحاديث والنظريات والمقولات ، ويرسم البطانة الحقيقية بين أفراد المجتمع ، يبوح عن اللغة الغير منطوقة في شبكة العلاقات ومنظومة المفاهيم وعمق المعرفة
ولعل تلك المقالة للأديب ذائع الصيت تنطق بالكثير مما لا يقال في بيان الثقافة الشعبية ، ما يوحد السودانيين ويميزهم عن الآخرين ، بالفعل الحاجات الأساسية للانسان لا تختلف من مجتمع لآخر ، ولكنها تمارس بأشكال مختلفة تترجم منظمومة القيم والسلوكيات التي أتفق المجتمع عليها .. وبين مجتمع وآخر ترتسم آفاق الاستدامة والارتقاء .. والرضى بالنفس والاعتداد بها ، حتى وان كانت في تخلف وضلال
مما لا شك فيه أن البشر في رقيهم الحضري والحضاري قد تسابقوا في تأكيد خصوصية العلاقات الحميمية ، ناهيك من أن كلا من الثقافتين العربية والاسلامية تؤكدان على عدم استحسان البوح بها ، ولكن ان تكون ثقافة شعبية وممارسة جمعية ، فذلك يلقي بظلال كثيفة على مفهوم التحضر السوداني برمته
للأسف أن الكثير مما تحويه هذا المقالة التي يعتبرها السودانيين ممتازة ، تعبر عن سلوكيات أبسطها أن توصم بالمرض والخبث
الطيب صالح
هل مازالت ليالي الخميس بذات العبق القديم وذات الصيت ..؟
ريحة الدخان التي كانت تنبعث من كل البيوت دون إستثناء .. نساء في مراحل سنوات الزواج الأولى ونساء صرن أمهات وأخريات صرن حبوبات .. وأخريات أصبحن من القواعد ولكن الواحدة منهن تمسكها (أم هلا هلا) حينما تشتم رائحة الطلح وترى إبنتها أو زوجة ولدها تتدخن .. وما أن ترى التي كانت في الحفرة تريد أن تقوم منها لتبدأ عملية إطفاء النار التي كتب لها أن تكون برداً وسلاماً
على ما تحمل بين فخذيها حتى تصيح : لا لا ماتطفيها أنقوم آخد لي فيها بوخة
على ما تحمل بين فخذيها حتى تصيح : لا لا ماتطفيها أنقوم آخد لي فيها بوخة
هناك نوع من النساء وهن كثيرات لا يتورعن عن الحديث عن ليلة الخميس ويتجاذبن
أطراف الحديث في قعدة قهوة ، وكل واحدة تحكي ما حدث معها في ليلة الخميس الماضي دون خجل أو حياء ، بل ويتبارين في أن تظهر كل واحدة قوة بعلها وصبرها على هزيمته في معركة غير متكافئة الأطراف فهي تفتح باباً وهو يواسي عضواً أثقلته كثرة الدخول والخروج
هذا من جانب النساء
أما من جانب الرجال .. فكانت ليلة الخميس تأخذ مراسم ليست بأقل مما تقوم به زوجاتهم
تبدأ من الفطور بسمك (نظام علوق الشدة) أو شراب كورة مديدة من المحلات التي كان يكتب فيها مديدة دخن باللبن والعسل (من الخشم للبيض كما يقولون) محاولات من بعض الرجال حتى لا تثبط همهم في الليلة الموعودة
ثم شراء اللحوم والفواكه والباسطة خاصة لميسوري الحال أو الموظفين عندما يصادف الخميس أول الشهر .. كانت ليلة الخميس ليلة حمراء بحق وحقيقة وكانت تبدأ من أول الليل حتى وقت إنجلاء ظلامه .. كنا نستمتع بها ونحن في مراحل المراهقة الأولى وحتى صرنا شباباً عندما كنا نتجول في شوارع الحلة الضيقة ونسمع نخير وشهيق وغطيط وأحياناً تأوهات مكبوتة .. ولا أنسى في إحدى ليالينا عندما كان يضرب عبدالله ود النعيم حائط الغرفة التي يجامع فيها زوجته عندما يصل مرحلة القذف .. كان يضربها بقوة وكنا نخاف أن يسقط سقف الغرفة عليهما من شدة ضربه للحائط المجاور لسريرهما
وكنا نسترق السمع للغنج بأصوات يصعب علينا تمييز صاحبته فالأصوات في مثل هذه الحالات تختلف ونكاد لا نصدق عندما نضع أذنينا على الشبابيك لنسمع أكثر الأصوات إثارةً وأنيناً لندرك انه صوت ( يالها من مثيرة ) هكذا كنا نقول
ومرات نسمع فاحش القول ينبعث من غرفة عطا الوحيدة ونكاد لا نصدق أن عطا وزوجته الطيبان هما اللذان يقولان هذا الكلام الفاحش ولكن بمرور السنين والخبرة علمنا أن ألذ الجنس أفحشه
كان لإستراق السمع مجازفات وقفشات ومطاردات من بعض الذين علموا بفعايلنا ليلاً .. مرة صديقنا خالد تم القبض عليه بواسطة أحمد الهادي المشهور بخفة حركته .. كان خالد يتربص ويتلصص على حوش أحمد عندما علم أن أحمد ينام في ساحة الحوش .. رأت زوجة أحمد الهادي رأس رجل يحاول النظر لهما وهما يتعاركان أثناء التواصل الجنسي .. نبهت زوجها والذي تحرك نحو (الادبخانة) ومنها قفز خارج الحوش وتم القبض على صديقنا خالد والذي أخذ جلدة كاربة لم تكن كفيلة بإطلاق سراحه .. طلب منه أحمد الهادي أن يحكى له أجمل المواقف التي شاهدها ليلاً حتى يفك أسره .. فطلب منه خالد أن يعطيه الأمان فوافق أحمد .. قال خالد والله موقف لأختك زينب عند عودة زوجها من ليبيا ما شفت مثله .. فحيح وغنج من شدة الإستمتاع .. الموقف كان محرجاً ولولا أنه أعطي الأمان كان يستحق جلدة أشد من الأولى
أما عن حال الخميس في وقتنا هذا فقد تساقطت كل الأشياء الجميلة التي كانت تميزه ولكن في المقابل ظهرت أشياء تجعله أيضاً مميزاً .. فيوم الخميس عند معظم الرجال علله كثيرة إما مريضاً بدون مرض أو مرهقاً دون تعب وربما يريد زيارة أمه وربما بات
عندها خوفاً من تلبية مطلب الزوجة في السرير
حكى لي صديق وهو صاحب حافلة تعمل في خطوط الخرطوم انه لم يلامس زوجته لأكثر من ثلاثة شهور وعزا ذلك للارهاق الشديد ومجرد وصوله المنزل لا يكاد يقوى على تناول وجبة العشاء حتى يغط في نوم عميق .. أما ليلة الخميس للذين يعملون بعيداً من زوجاتهم مثل ناس الجزيرة وناس شندي الذين يعملون في الخرطوم فهؤلاء أصبح الخميس لهم عبئاً ثقيلاً وليلاً طويلاً .. يُحكى أن واحد من ناس شندي وصل شندي عائداً من الخرطوم ووجد أن زوجته قد أعدت له المحمر من اللحوم بجميع أنواعه كما أنها لم تنسى أن تعد لحمها الذي هيئته من مجاميعه في حفرة الدخان .. وضعت الصينية المجيهة أمامه ولم يعجز صاحبنا من القضاء عليها بكاملها وما أن فرغ وغسل يده حتى نام نومة أصحاب الكهف ولم يستيقظ إلا في صباح اليوم التالي وصاح على زوجته بأن تجهز له ماء للحمام وكان ردها بسرعة وشدة وبزعل وغضب : مالك خريت
No comments:
Post a Comment