حروف المباني ثمانية وعشرون حرفاً في لغة العرب، وكانت قديماً مصاغة في صورة تسمى "الأبجدية"؛ لأنها كانت تبدأ بكلمة "أبجد":(أبجد هوًّز حُطّى كَلَمُن، سعفص قرشت ثخذُُُ ضظغُ). ثم تم تطويرها فيما بعد، حتى وصلنا إلى نظام يُسّمى النظام الهجائي أو الألفبائي، وهو النظام الذي تعلمنا عليه حديثًا (أ،ب،ت،....،هـ،و،ي)، وسمّي الهجائي لأنها الحروف التي نتهجَّى الكلمة بها.. هذه الحروف تسمى حروف المباني، وهي لا معنى لها، فالألف وحدها لا معنى لها في اللغة العربية!
وبالمناسبة، تشترك اللغات السامية في اثنين وعشرين حرفاً، وتنفرد العربية عن بعض اللغات السامية في ستة حروف. والأبجدية أيضاً كانت تشير إلى هذا فمن (أبجد) حتى (قرشت) هذه هي الاثنين والعشرين حرفاً التي تشترك فيها العربية مع العبرية والآرامية والسُّريانية والحبشية وهكذا. أما (ثخذُ ضظغُ) فتنفرد بها العربية عن اللغات الأخرى. ولذلك يسمّون هذه الحروف الستة بـ«الحروف الروادف»؛ لأنها مُردَفة أي ملحَقة. وهذه الاثنان والعشرون حرفًا المشتركة –تقريبًا- هي الحروف اللاتينية أيضاً، مع إسقاط الحاء وإضافة الثاء.
فهذه حروف المباني التي يهتم بها الذين يدرسون "الأداء الصوتي" ودارسو "التجويد". وقد صنفها القدماء واستنبطوا لها صفاتٍ ومخارجَ، وحقًّا ومستحقًا: الحق يعني إخراج الحرف من مخرجه الخاص به: من الحلق ومن وسط اللسان، ومن طرف اللسان، ومن مجموعة الأسنان، ومن الشفتين، ومن الخيشوم أو الأنف. والمستحق مراعاة موضع الحرف من الحروف المجاورة له وأثر نطق الحروف على بعضها البعض. ولهذا، فإن من الإعجاز أن القرآن الكريم ورد إلينا بالأداء الصوتي نفسه الذي تركه لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ أي بالطريقة الصوتية المعيَّنة التي تجعل كل حرف له اعتبار. وهناك جدول يحفظه رجال التجويد، وله أداءات مفردة، وأداءات مركّبة، ثم يتراكب ثم نتعلم علم التجويد في أحكام التنوين والنون الساكنة وأحكام الميم والراء واللام، وحروف المد.. وغير ذلك.
فحروف المباني –وإن لم تكن لها معانٍ في ذاتها- إلا أن الأداء الصوتي الصحيح لها هو من الضرورة بمكان في ثقافة أمية اعتادت على نقل تراثها مشافهة، ونقلت بهذه الطريقة كتاب الله عز وجل وحديث رسوله صلى الله عليه وسلم، وقد ارتبط بذلك فنون الفصاحة والخطابة والبيان في التراث الإسلامي، وهي فنون لا تزال لها مكانتها، بل وتعد من المهارات الاجتماعية والسياسية التي تدرس ويعنى بها في الحضارات المختلفة. .....(يتبع)
أ.د. #علي_جمعة
No comments:
Post a Comment