Saturday, July 5, 2025

غرفة الصمت القاتل

 

في أعماق مقر "مايكروسوفت" بمدينة ريدموند، خلف أبواب مغلقة لا تفتح إلا بإذن خاص، تقع غرفة صغيرة الحجم… لكن تأثيرها يفوق كل تصور. ليست مختبرًا ولا مكتبًا. إنها شيء آخر تمامًا. شيء يُوصف بأنه:
"أهدأ مكان على وجه الأرض"... أو كما يسميه من دخلوه: مقبرة الأصوات.
اسمها العلمي: الغرفة عديمة الصدى (Anechoic Chamber)
لكن بين همسات الباحثين، تُعرف باسم غير معلن:
"غرفة الصمت القاتل".
لحظة دخولك، تُغلق خلفك أبواب عازلة لا تسمح بمرور ذرة صوت.
وتبدأ تجربة لا يمكن وصفها بكلمات بسيطة.
لا تسمع السيارات بالخارج.
لا صوت لأجهزة الحاسوب.
لا خطوات.
بل حتى... خطواتك أنت تختفي.
الهواء ساكن، والجدران تمتص كل تردد، وكل ذبذبة، وكل صدى.
وتبدأ تسمع أشياء لم تعتد عليها:
نبض قلبك، كأنه يدق داخل رأسك.
صوت أنفاسك، مثل صفير مكتوم.
صوت لُعابك وهو ينزلق في حلقك.
وبعضهم يسمع حركة معدته، كأن جسده يوشوش له من الداخل!
أحدهم قال: "شعرت بأن عقلي يصدر أصواتًا… لم أعد أميز إن كانت تلك الأصوات حقيقية، أم من صنع توتري."
نحن معتادون على وجود ضجيج في حياتنا.
الضوضاء التي نشتكي منها... هي في الحقيقة درع عقلي.
لكن هنا، في هذا الصمت المطلق، يبدأ الدماغ في الانه*يار التدريجي.
البعض شعر بالدوار.
آخرون فقدوا التوازن.
وهناك من أصيبوا بالذعر، وركضوا نحو الباب.
وبعضهم... أقسم أنه سمع "أصواتًا من لا شيء" تهمس في أذنه!
أطول مدة سجلها أحد الأشخاص داخل الغرفة هي 45 دقيقة فقط.
ثم خرج وهو يتصبب عرقًا، مذهولًا، وكأن الغرفة انتزعت منه شيئًا ما.
حتى العلماء والمهندسين الذين يحتاجونها لا يمكثون طويلًا.
يستخدمونها بدقة لاختبار أصوات الأجهزة الدقيقة:
طابعات، لوحات مفاتيح، ميكروفونات...
ثم يخرجون بسرعة.
لا أحد يدخلها بدافع الفضول فقط.
هل يمكنك تخيل أن يكون الصمت "أقل من صفر"؟
الغرفة تمتص 99.99٪ من الموجات الصوتية.
مستوى الضوضاء فيها:
-20.3 ديسيبل أي أخفض من الفراغ الكوني نفسه!
وإن صرخت داخلها… فلن يعود إليك حتى صدى صوتك.
كأن صوتك ابتُلِع… ولم يوجد قط.
يقول البعض إن الصمت راحة…
لكن داخل هذه الغرفة، تكتشف أن الراحة شيء، والعزلة المطلقة شيء آخر.
الإنسان لا يزدهر في الفراغ.
نحن نحتاج الضجيج حولنا…
ضحكة طفل، صوت باب يُغلق، رنين هاتف، حتى أصوات المدينة… كلها علامات أننا أحياء، أننا لسنا وحدنا.
فمهما كان الصمت مغريًا… لن نحتمل عالمًا لا نسمع فيه أحدًا… ولا حتى أنفسنا.

No comments:

Post a Comment