إعداد:
كان الفلاسفةُ والعلماء مدركين لمفهوم المعرفة منذ زمانٍ بعيد، فقد قال كونفوشيوس مثلاً ”المعرفة الحقيقية هي أن تدرك مدى جهلك“، أما برتراند راسل فيقول: ”أحد الأشياء المؤلمة في عصرنا هذا أن الأغبياء تملؤهم الثقة، أما أصحاب المخيلة الخصبة والمعرفة تملؤهم الشكوك والحيرة“، كما كان شكسبير مُلاحظاً لهذا الموضوع، وقال في مسرحية كما تحبها ”الأحمق يظن خطأً أنه حكيم، أما الحكيم فيعرف نفسه بأنه أحمق“. ويقول المتنبي ”ذو العقل يشقى في النعيم بعقله، وأخو الجهالة في الشقاوة ينعم“.
ويقول تشارلز داروين: ”عادة ما يولّد الجهل الثقة أكثر مما تفعل المعرفة“ وقد اقتبس هذه الجملة تحديداً عالمان في ورقتهم البحثية التي حصلوا بفضلها على جائزة lg Nobel.
ويُعرّف تأثير دانينج-كروجر بأنه تحيّزٌ معرفيّ يصيب الأشخاص أصحاب القدرات الضعيفة فيتوهمون أنهم متفوقون وأصحابُ قدراتٍ كبيرة ومعرفةٍ حقيقية، كما تمّ الاستنتاج أن الأشخاص أصحاب القدرات العالية يتوهمون أن الناس كلها قادرة على القيام بأيّ فعلٍ، لأنهم قادرون عليه بسهولة.
لكن المشكلة أنّ دانينج قد اكتشف مؤخراً أنّ الخبرة قد تؤدي أيضاً إلى توهم المعرفة، بمعنى أنّ الأشخاص الذين يصفون أنفسهم بالخبراء في مجالٍ معيّن قد يتوهمون أنهم ذوو خبرةٍ في أشياء أخرى أيضاً، حتى وإن كانت هذه الأشياء غير موجودة أساساً.
قام دانينج بتجربة سأل فيها الناس عن اختصاصاتهم ومدى خبرتهم فيها، فوجد أنّ الأشخاص الذين يقولون عن أنفسهم أنهم خبراء، يصفون خبرتهم هذه بمصطلحاتٍ اخترعها الباحثون (أصحاب التجربة) لمجرد أنها قريبة من مصطلحاتٍ شائعة، مثلاً يقول خبيرٌ في البيولوجيا أنه خبيرٌ في الـBio Sexuality وهو مجالٌ غير موجودٍ أصلاً.
في مثالٍ شخصي، دكتورٌ في الهندسة النووية كان مصرّاً أنّ تحديد عمر الحفريات غير متاحٍ لأكثر من 60000 سنة باستخدام الكربون المشع، ولأنه خبيرٌ في الهندسة النووية فقد كتب هذا الكلام بكل ثقة، مع ملاحظة أنه لا يعرف أي شيء عن الأنثروبولوجيا أو عملية تحديد عمر الحفريات، أو حقيقة أنّ هناك نظائر مشعة كثيرة غير الكربون نستخدمها في تحديد عمر عيّناتٍ تصل لمليارات السنين، لكن خبرته في مجالٍ قريبٍ من هذا المجال أوهمته أنه قادرٌ أن يعطي رأياً صحيحاً به، وقد انصدم فعلاً عندما أعطيته مقالاً كاملاً من مجلة نيتشر يشرح طرق تحديد عمر العينات.
No comments:
Post a Comment