فرصة ضائعة لفهم دوافع أوم شينريكيو الحقيقية لقتل اليابانيين
تم تنفيذ حكم الإعدام في أساهارا شوكو (اسمه الحقيقي ماتسوموتو تشيزوؤ)، وهو زعيم جماعة أوم شينريكيو الدينية المتطرفة في صباح يوم 6 يوليو/ تموز 2018، وتلي ذلك تنفيذ أحكام الإعدام المتتالية على 6 أفراد آخرين من نفس الجماعة. وبينما لا تكون وزارة العدل إيجابية في العادة بشأن الإفصاح عن معلومات حول عمليات الإعدام، إلا أنها في هذا اليوم قامت بشكل استثنائي بالإعلان عبر وسائل الإعلام عن أسماء الأشخاص الذين تم تنفيذ حكم الإعدام بحقهم. وبينما يصعب التأكد من حقيقة هذا الأمر، يقال إن هذا التحول في تلك السياسة بهذا الشكل الدراماتيكي كان وفقًا للضوء الأخضر الصادر من مكتب رئيس الوزراء لتنفيذ تلك الأحكام. ولكن كما يقول الكثيرون من المشتغلين بالإعلام إنه إذا كان هذا الأمر حقيقيًا، فإن الهدف من ذلك واضح. فقد يكون مكتب رئيس الوزراء اعتقد أن تنفيذ أحكام الإعدام الجماعية بحق جماعة أوم شينريكيو قد يؤدي إلى استعادة التأييد الشعبي المتدني للحكومة، لذلك تم السماح لوسائل الإعلام بتناول تلك القضية على نطاق واسع.
ولم تحظ أي جماعة أخرى بكراهية الشعب لتلك الدرجة، طوال تاريخ اليابان من بعد الحرب العالمية الثانية. إذ أن تلك الجماعة أصبحت أول "عدو شعبي" للمجتمع الياباني. بل وكان زعيمها أساهارا شوكو شرًا من "نوع خاص" ومثل استثناءً حتى أن المطالبين دائمًا بإلغاء عقوبة الإعدام، نادوا بتنفيذ العقوبة بحقه.
الوجه الحقيقي لأعضاء الجماعة
كنت قد قابلت 6 أفراد أثناء احتجازهم من بين أتباع الجماعة الدينية الاثني عشر المحكوم عليهم بالإعدام. وكان هؤلاء هم نييمي توموميتسو، هاياكاوا كيوهيدي، ناكاغاوا توموماسا الذين تم إعدامهم مع أساهارا شوكو في 6 يوليو/ تموز وهاياشي ياسوو، أوكازاكي كازوئاكي، وهيروسي كينئيتشي الذين تم تنفيذ الإعدام بحقهم يوم 26 يونيو/ حزيران.
وأما بالنسبة لنييمي والذي ذكرته وسائل الإعلام كالأكثر عنفًا، انحنى لي عميقا كلما قابلته. ولم يكن يتحدث عن الآخرين بشكل سيء. وأحيانًا كان يرفع جانبي فمه ولديه ابتسامة جذابة. وكان هاياكاوا الذي يعد الأكبر سنًا بين المحكوم عليهم من جماعة أوم، محبًا للحلويات، وكنت أمده بالحلويات في كل مرة ألتقي به، وكان يكتب لي في خطاباته أشياء مثل "لقد صرت أسمن بسببك يا سيد موري". وكان ناكاغاوا الطبيب المعالج لأساهارا والأقرب له، بينما كان مرهف الحس، رجلًا لطيفًا وذو نوايا طيبة. وقد قمت مرة باصطحاب زوجتي معي لأحد اللقاءات. لأنني شعرت أني حقًا أود تعريف زوجتي بهذا الرجل. وكان ناكاغاوا يبتسم في سعادة ويحني رأسه أكثر من مرة عبر اللوح الأكريليك.
أما هاياشي والذي نعتته وسائل الإعلام بماكينة القتل، والذي كان في نفس عمري تقريبًا، فقد نحى صيغة الاحترام في حواراته معي. وقد قابلته في معية والدته. وكان هاياشي يقوم باستماته بمحاولة تهدئة والدته التي كانت تسكب الدموع أثناء حديثها وكان أوكازاكي شخصية شعبية جدًا. وأرسل لي عدد من لوحات الحبر التي رسمها بالمعتقل. وهيروسي الذي كان يقوم بكتابة كتب عن الرياضيات للأطفال بالمعتقل، كان شخصًا جادًا ونادرًا ما يلقي النكات. وكان يخبر نفسه مرارًا وتكرارًا وقت حادث غاز السارين في مترو الأنفاق، إن هذا العمل من شأنه إنقاذ العالم.
ولكنهم الآن لم يعودوا موجودين بعد، فقد رحلوا عن عالمنا. وقالوا إنه بالنظر إلى عظم الجريمة التي ارتكبوها، كان من الطبيعي تنفيذ الإعدام في حقهم. وكانوا يبكون أحيانًا. وهنا يحدث اللبس. فقد كان كل منهم على حدة ودودًا. ويتميز جميعهم بالوداعة واللطف. ولكن في المقابل تورطوا في قتل الكثير من الأشخاص. لذا كان يصيبني الحيرة أحيانًا أثناء حديثي معهم في غرفة اللقاءات حول ماهية تعريف كل من الجرم والعقاب. ولما يجب أن يختفي مثل هؤلاء الأشخاص من هذه الدنيا.
وإن كنا كلنا سنموت، سواء بسبب حادث أو بسبب مرض، فلم يمت هؤلاء بسبب حادث أو مرض بل تم قتلهم بشكل قانوني.
الانهيار النفسي لزعيم الجماعة
كنت قد استمريت في الذهاب إلى المعتقل وتبادل الخطابات حتى تأكد حكم الإعدام على هؤلاء الأشخاص الست. وتعد وجهة النظر (من ناحية الجاني) تلك التي أمدونا بها "خطًا مساعدًا" هامًا عند النظر إلى جماعة أوم والجريمة التي ارتكبوها.
وشعرت أن أساهارا قد انهار نفسيًا حين استمعت إلى جلسة المحكمة التي أصدرت عليه الحكم الأولي. وكان من الواضح أن سلوكه حين جلس في مقعد الاتهام، غير طبيعي. وقد فكرت في احتمال "تظاهره بالمرض"، ولكني الآن متأكد أنه قد كان فاقد القوة العقلية بسبب القيام بمقابلة الكثير من الأشخاص والاستماع لوجهات نظرهم. ولكن لا يشير أي أحد لهذا الأمر. وإن كان قد أشار أحد الأشخاص إلى هذا الأمر لكانت المحاكمة قد توقفت، ولم يتم تنفيذ حكم الإعدام على أساهارا الذي يمثل شرًا من "نوع خاص". ومن آثار هذا الأمر تعرضه للإساءة من كل أنحاء اليابان.
وهكذا استمرت المحاكمة، وتواصل إرغام أساهارا على كرسي الاتهام بينما عانى من التبرز والتبول اللاإرادي (ملاحظة من فريق الإعداد: وفقًا لرأي خبراء الطب النفسي، كان يرتدي حفاضات بشكل يومي بسبب معاناته من التبول اللاإرادي منذ عام 2001). وقد أصبح من الواضح إلى حد بعيد إن السبب وراء اشتراك معتنقي تلك العقيدة في هذا الفعل الإجرامي. وهو تلقيهم الأوامر من أساهارا. وهنا كان أثر الفكر الراديكالي لذلك الدين الذي يتبدل بين الحياة والموت. فبينما حاولوا إقناع نفسهم بأن الروح تتحول إلى الحياة مرة أخرى وأن هذا الحادث كان لإنقاذ العالم كدافع للقيام بقتل الناس. وإن كان الأمر كذلك، فكيف قام أساهارا بتبرير أوامره تلك. ولم يتلق أحد من الجناة في حادث غاز السارين في مترو الأنفاق الأوامر بإلقاء الغاز من أساهارا بشكل مباشر. وقد تعرض القيادي مورايي هيديئو الذي يقال إنه نقل أوامر أساهارا لتلاميذه، للقتل طعنًا. حتى أن إينوي يوشيهيرو الذي كان قد اعترف أنه ائتمر بنشر غاز السارين من قبل أساهارا من أجل تجنب التحقيق القسري، عاد من تلقاء ذاته ونفى ذلك الأمر فيما بعد. فلماذا إذن نشر غاز السارين؟ لم يكن هناك غير أساهارا للتحدث عن ذلك الدافع. ولكن نتيجة لتعرضه للانهيار النفسي، لم يقدم أساهارا أي رواية، حتى وإن كان لديه ربما الرغبة في التحدث، لم تتح له تلك الفرصة. حتى هذا الاستنتاج غير مفهوم دوافعه. فتعد الدوافع هي أهم ما في الأمر لكشف ملابسات الحادث. وفي غياب تفسير مناسب لها، يزداد التخوف من تكرار تلك مثل الحوادث.
التفكير الجماعي وابتذال الشر
قام المجتمع الياباني بالمعاناة بشدة بسبب القلق والمخاوف من عام 1995، مما سرع تشكيل "الجماعات". فتقوم الجماعات التي تعتمد على رابطة الصفات المتشابهة بتقوية الضغط لخلق التماثل ولفظ أي شيء غريب عن الجماعة والبحث عن عدو من خارجها. أيضًا لأن الجميع يقوم بنفس التحركات، يقتضي الأمر وجود زعيم سياسي وديكتاتور قوي. ولا يعد ذلك شيئًا من الماضي بل مستمر وموجود في الحاضر (امتد تشكل الجماعات في العالم بعد الهجوم الإرهابي عام 2001 في الولايات المتحدة).
ويتسارع تشكل الجماعات مع الشعور بالقلق والخوف. وتلك فطرة البشر في اختيار العيش في القطيع. ولكن الجماعات في بعض الأحيان تأخذ طريق العنف. ويرتكب الأشخاص الأخطاء الكبرى حين يصيرون جزءًا من الجماعات. ولهذا كان يجب علاج أساهارا وجعله يحكي عن الحادث. ولكن قوبل تأكيدي على ضرورة هذا الأمر بالانتقاد من قبل الكثير من المثقفين والصحافيين معللين "أساهارا كان يتظاهر بالمرض"، أو "حتى وإن افترضنا أنه لم يكن يتظاهر بالمرض، فإن علاجه لم يكن ليفضي شيئًا ذا قيمة".
وأجاب أدولف ايخمان المسؤول الأساسي عن شحن اليهود، حين مثل أمام المحكمة، عن سبب اشتراكه في الهولوكوست "لقد قمت فقط بإطاعة الأوامر". وشعر الكثيرون بالإحباط أمام تلك الإجابات. ولكن هانا آرنت التي كانت في مقاعد الاستماع قامت باستدعاء تسمية "الشر العادي" من كلمات ايخمان. فلا يجب توقيع العقاب عليه فقط لقيامه بقتل الكثير من الناس. بل إن جريمته الحقيقية هي الانتماء لجماعة تفتقر إلى التصور في إدارة الأشخاص. ويعد هذا التفكير الخاص بآرنت خطًا مساعدًا شديد الأهمية في الكشف عن ذلك الشغف السلبي وراء الرغبة في القضاء على جنس معين بشكل كامل من العالم، أو الهولوكوست. فلا يقوم الأشخاص بارتكاب الأمور السيئة لكونهم أشخاص سيئين. فيوجد حالات يقوم فيها الأشخاص بارتكاب الأمور السيئة لمجرد كونهم جزء من الجماعة. فيبدو أن الاثني عشر شخصًا من معتنقي تلك الأفكار قد قاموا بارتكاب فعل القتل في حق الكثير من الأشخاص على الرغم من كونهم ودودين ولطفاء.
ولكن يظل الأمر مجرد خطًا مساعدًا، وليس الخط الرئيسي في كشف ملابسات الحادث. مثلًا كان الخط الرئيسي هتلر نفسه ولكنه انتحر مع سقوط برلين. ومضت محاكمة نورمبرغ في غياب هتلر. ولم يتم إغلاق ملف تلك القضية. ولهذا السبب تحديدًا استمرت جذوة الأفكار التي تؤله هتلر حتى الآن، ولازالت تظهر حتى الآن من آن لآخر الرؤى التصحيحية للتاريخ فيما يخص الهولوكوست والنازية.
رفض التفسير
وبما أن أساهارا لم يقدم على الانتحار، كان من الواجب معالجته وجعله يتحدث. كان يجب محاصرته. بل وكان يجب محاصرة أساهارا بتعمق وتسوية ملف قضيته على الملأ بدلًا من انتشار الأصوات التي تذكر الآن بمخاطر توارث جماعات لاحقة لأفكاره بسبب عبادتها لأساهارا نفسه. والسبب في ذلك هو أن حادث جماعة أوم مثله مثل الهولوكوست، أو حتى مثل الكثير من جرائم الإبادة والحروب، هو حادث يوضح الخطر الكبير الكامن في جينات الهومو سابينس (الإنسان البدائي) الذي اختار الانتماء لجماعة والعيش فيها، وكذلك أشار بوضوح إلى الخطورة الأساسية في اعتناق ديانة ما. ولكن نتيجة لذلك، أخطئ المجتمع الياباني في تفسير الحادث. بل من الأفضل القول بانه رفض محاولة التفسير. ثم سار كل من القضاء والإعلام على نهج المجتمع.
وكذلك لا يمكن تطبيق حكم الإعدام على الأشخاص فاقدي القدرة العقلية أساسًا. وهذا دون شك هو القدر الأدنى من تطبيق القواعد في دول القانون المعاصرة.
ويطبق حكم الإعدام على المدانين في نفس القضية في نفس التوقيت. ونظرًا لوجود هذا المبدأ، من المؤكد أن النظام أقبل على تنفيذ حكم الإعدام الجماعي. ولكن فصل بين تنفيذ حكم الإعدام على أساهارا والستة الآخرين في 6 يوليو/ تموز وبين تنفيذ الحكم على الست الباقين عشرون يومًا. مما يعني خرق لذلك المبدأ. ولم يتم ذكر سبب واضح لذلك، ولكن يعتقد أن السبب هو تركز النقد على النظام بسبب عدم إدراكه للظروف الطارئة مع تزايد مخاطر الإمطار الكارثية في غرب اليابان في ليلة يوم 5، والتركيز على "أكاساكا جيمين تي" (حفل العشاء الخاص بنواب البرلمان من الحزب الليبرالي الديمقراطي المقام بمقر إقامة النواب في أكاساكا).
ولابد أن الست الباقين كانوا قد علموا بتنفيذ حكم الإعدام على السبعة السابقين. فكيف إذا أمضى هؤلاء أيامهم العشرين اللاحقة وبماذا كانوا يشعرون؟ يكفي التفكير في هذا الأمر للشعور بالرعب. يجعلني ذلك أتذكر وجوههم عبر اللوح الأكريليك الفاصل بيني وبينهم وقت الزيارة. إن هذا لتعذيب لهم. وبالطبع الأفضلية في التفكير تذهب إلى عائلات ضحايا الحادث. ويوجد من بين الضحايا من لازال يعاني من آثار الحادث حتى الآن. ويجب تقديم الإغاثة لهم قدر الإمكان. ولكن برأي ليست الإغاثة في تنفيذ حكم الإعدام. ونتيجة لذلك زاد عدد العائلات المكلومة مرة أخرى بتنفيذ الإعدام على 13 شخص.
لذا أود طرح هذا السؤال على النظام. وأود كذلك إخبار المجتمع الياباني. لقد قام هؤلاء سابقًا بارتكاب جرم لا يمكن تداركه بانتمائهم لجماعة أوقفت قدرتهم على التخيل حول إدارة الأفراد. ولكن هذه المرة من كان الجانب الذي فقد القدرة على التخيل في إدارة الأفراد؟
(النص الأصلي باللغة اليابانية في 26 يوليو/ تموز عام 2018. صورة العنوان: ملحق جريدة عن خبر تنفيذ حكم الإعدام في حق ماتسوموتو تشيزوؤ الزعيم السابق لجماعة أوم شينريكيو الدينية المتطرفة، 6 يوليو/ تموز، طوكيو، حي ميناتو، جيجي برس)
https://www.nippon.com/ar/currents/d00425/?pnum=2
No comments:
Post a Comment