Saturday, February 13, 2021

زرقاء اليمامة

 

كان قوم زرقاء اليمامة يحسون بحزن وندم كانوا قد فقدوا كل شئ فقدوا عيونها التى طالما وهبتهم الأمان, أجتاح الأعداء بلادهم بعد أن غطوا أجسادهم بأغصان الشجر ولم يصدقها أحد عندما حذرتهم صائحة أن الأشجار تتحرك, وظلوا يسخرون منها حتى تحولت الأغصان الى سيوف هوت على أعناقهم, ثم استداروا إلى زرقاء اليمامة وفقأوا عينيها, لم يقتلوها تركوها جالسة بين قومها كشاهدة قبر.

امرأة جميلة فارعة الطول كنخلة ولكن حدقتاها فارغتان.

صاح أحد الأطفال: لماذا لا نعالج عيون زرقاء اليمامة لماذا لا نحاول أن نرد البصر إليها؟

فوافقوا,ربما عندما تستعيد زرقاء اليمامة عينيها يستعيدون جزءاً من قوتهم ومنعتهم ويحسون ببعض الأمان من الندم الذى يفتك بأرواحهم.

قال أحد العرافين أنه يعرف كاهن من صنعاء يمتلك القدرة على مزج قوة الأعشاب بطلاسم التعاويذ فيفعل المعجزات.

نهضوا جميعاً, أخذوا بيد زرقاء اليمامة يقصدون صنعاء, لم تقاومهم كانت روحها تختنق داخل جسدها المظلم, تتقدمهم خلال الجبال والطرق الوعرة لا يبدوا على وجهها أية مشقة و لم تحس حتى بأقدامها الدامية وهى تطئ الأحجار الحادة, كأنها حين فقدت بصرها فقدت الإحساس ببقية جسدها.

كانت هي فرصتهم الأخيرة كأنها لم تكن الفرصة التي أضاعوها فأخذوا يدفعونها حتى عندما تتوقف لتلتقط أنفاسها.

فجأة أقترب منها واحد من الذين يتبعونها سألها : يا زرقاء إذا أستعدتى بصرك هل ستتعرفين على الذى دل على الأعداء عليك حتى أمسكوا بك وفقأوا عينيكى,قالت:أجل.

في صباح اليوم التالي كان عدد التابعين لها تناقص قليلاً فتعللوا بالمرض والشيخوخة وصعوبة الرحلة. لكن زرقاء اليمامة ظلت تسير في المقدمة لا تراهم ولا تريد أن تراهم كانت تحمل بداخلها عالم من الرؤى المظلمة والكوابيس المتواصلة.

وبعد أن اجتازوا عدة جبال هتف واحد آخر:يا زرقاء هل تستطيعين على التعرف على الذين قادوا الأعداء إلى مسارب بلدتنا وطرقاتها, كانت زرقاء اليمامة فاقدة العقل فهتفت :أجل

وفى اليوم التالي تناقص أتباعها أكثر حتى خفتت الضجة التي كانوا يحدثونها أثناء السير.

وفى منتصف الطريق سألها واحد ثالث قال :يا زرقاء هل تستطيعين التعرف على من تخاذل أمام الأعداء وهرب من القتال فهتفت مجدداً :أجل.

لكنها استيقظت ذات صباح ولا شيء إلا الصمت, لم تسمع أصواتهم ولم تحس بأنفاسهم, دارت وهى تتحسس الصخور فلم تجد أحداً وراها ولا خلفها, ظلت تصيح بلا صدى وتبكى دون عزاء وحيدة عمياء, ضائعة في مفازات الجبال.

-(وقائع عربية-محمد المنسى قنديل)

هناك من يقتلهم السيف وهناك من يقتلهم الدهر وهناك من تقتلهم وحشة الطريق.

No comments:

Post a Comment