القاهرة التاريخية - HistoricCairo
من غرائب ما كان يباع في الأسواق من طعام في شهر رمضان ، الدجاج المطبوخ بالسكر ،
وقد يضاف إليه الفستق فيعرف بـ الفستقية أو الجوز فيقال له الجوزية ، ولربما أضيف إليه الخشخاش وهو "زهر الحشيش" ورغم وجود هذا المخدر في الدجاج فإن أحداً ويا للعجب لم يستنكر أكل هذه الخشخاشية في رمضان ولعلنا لا نعجب من ذلك
إذا ما عرفنا أن تجار المخدرات (التحفجية) كانوا يروجون لبضاعتهم داخل جامع الحسين حيث كان بعض المصلين يضجعون حتى يحين موعد الإفطار.
وإذا ما تجاوزنا أسواق الطعام كـ الشوايين واللحميين ، فإننا سنجد أن سوق الشماعين في القرنين 8 ، 9 هـ كان يحتفل بمقدم شهر رمضان بطريقته الخاصة
فتعلق على واجهات الحوانيت وعلى جوانبها أنواع الفوانيس المتخذة من الشمع ، وأشكال الشموع ما بين كبيرة وصغيرة ومنها ما يزن عشرة أرطال (الرطل = 400 جرام)
ومنها ما يحمل على "العجل" ويبلغ وزن الواحدة منها القنطار (100 رطل) وذلك لاستعماله وقت الركوب لصلاة التراويح والخروج ليلاً.
فيمر في شهر رمضان من ذلك ما يجل عن الوصف ، وتستمر حوانيت الشمع مفتوحة إلى منتصف الليل لكثرة ما يشترى وما يكترى من الشموع الموكبية
وبفضل هذا السوق وتقاليد تجارته نشأت فوانيس رمضان التي نعرفها الآن. وإلى وقت قريب كان السمكرية يهتمون منذ شهر شعبان بعمل الفوانيس التي توضع بداخلها الشموع
ويبدعون في أشكالها وألوان زجاجها ويزينون بها واجهات حوانيتهم فيفرح بها الأطفال ويسعون لشرائها غير أن "تكنولوجيا" العصر الحديث أزاحت فوانيس الشموع عن عرش رمضان ليحل محلها فوانيس تعمل بالبطارية ذات أشكال نمطية جامدة تخلو من روح الإبداع والابتكار
وتفتقد الأصالة وعبق الماضي التليد الذي كان توحي به فوانيس السمكرية ، وإن ظهرت مؤخراً محاولات لإحياء تقاليد الفانوس القديم الذي أخذ ينتشر بكثافة مجدداً لا سيما في الأحياء القديمة.
ولم يداني سوق الشماعين حركة ونشاطاً في شهر رمضان سوى الأسواق والحوانيت التي كانت تبيع أصناف الياميش وقمر الدين وعلى رأسها سوق السكرية داخل باب زويلة ،
فكانت أنواع الياميش وقمر الدين تفرش على أبواب الحوانيت ويتسابق الشعب إلى الاغتراف منها ، وكانت رخيصة السعر فيتمتع بها الغني والفقير وتقدم للضيوف ويوزع منها على أطفال الحارة حينما يطوفون على الدور بفوانيسهم الموقدة محيين أصحابها.
وكانت وكالة الأمير قوصون الساقي المنشأة حوالي 1340م والباقي مدخلها إلى الآن بالقرب من باب النصر مقر تجار الشام ينزلون فيها بضائع بلاد الشام من الزيت والصابون والفستق والجوز واللوز والخرنوب
وتزدحم الوكالة على وجه الخصوص في شهر رمضان لإقبال الناس على شراء الياميش ولما تخربت تلك الوكالة انتقلت تجارة المكسرات إلى وكالة مطبخ العسل بحارة بـ التمبكشية (بائعو التمباك) بحي الجمالية ، وكانت مخصصة لبيع أصناف النقل كالجوز واللوز ونحوها.
وقد تركت أسواق الياميش هذه انطباعاً قوياً لدى المصريين حتى وقتنا هذا حتى ليصعب على المصري أن يتصور شهر رمضان بدون ياميش
وقد قوبل قرار الحكومة المصرية في بعض السنوات بحظر استيراد أصناف الياميش من السخرية وسيل من النكات اللاذعة ليس فقط بين الناس بل وعلى صفحات الجرائد وخاصة رسوم الكاريكاتور
No comments:
Post a Comment