Sunday, April 3, 2022

الدولة الطرابلسية

 


لست ممن يأخذون الأفلام والمسسلات التاريخية على محمل الجد
ولعله العمل الليبي الأول ، غير أن تمويله محتجب


من المتوقع أن يكون (مسلسل السرايا) الذي تقدمه بهذا الشهر المبارك: قناة سلام، تحت إشراف وإخراج المخرج الصديق: أسامة رزق Osama Rezg والذي يجسد تفاصيل الدولة الطرابلسية (الدولة الليبية بالمفهوم الحالي) بالفترة القرمانلية، أكثر المسلسلات الليبية ضخامة وتعقيدا. العمل ليس سهلا. وقد لا يختلف في دقته وصعوبته عن (مسلسل الزعيمان)
(مساهمتي في هذا العمل تتمحورت في) الاستعانة بشواهد ومعلومات متفرقة وصور مختلفة من عدة منشورات سبق وأن طرحتها بهذه المدونة. علاوة على أن الأستاذ المحقق: عمار جحيدر، والبحاثة الصديق المهندس: حسام الخيتوني Hussam Alkituni كانوا من بين العناصر المقتدرة ممن أفادت العمل نصاً أو صورةً أو وثيقة أو معلومة.
من زاوية تاريخية؛ قام الصديق المهندس: عبد المطلب أبو سالم Abdulmotaleb S. Abosalem بمراجعة النص/السيناريو التاريخي وتزويد العمل بالمعلومات والصور والرسومات التاريخية، وهو بحاثة ضليع سبق وأن أشدت به شخصيا، وهذا مكسب لأسرة المسلسل.
(علم الدولة الطرابلسية القرمانلية) كما هو الظاهر بالمسلسل، وكما توجد راية منه في متحف سي خليفة بطرابلس، هو الأحمر ذو ثلاث هلالات حمراء، رمزت لوحدة الأقاليم الطرابلسية/الليبية الثلاث طرابلس برقة فزان. والهلال كان رمزا دينيا لكثير من المجتمعات الإسلامية وقتذاك.
ستلحظون أن (ثمة أسماء وألفاظ ومصطلحات) لاتينية ومحلية قد ذبلت ولا تداول شفهي لمعظمها اليوم، وجميعها وردت في كتاب يوميات خمسون عاماً من الفترة القرمانلية، وجزء ملحوظ منها قد تم تجسيده بالمسلسل. مثل:
البنديرا والسنجق والطوبجية والكولجية والزندانة والزابطية واليوزباشي والقره قول، القويرّا والبومبات والكور والطبخانة والسبيتار، والبارة والليان والبردعة والزنبيل والغرارة والبرسيل، والتاي والمكرونجي والقهوادجي، والبيزاون والشعرية والكلة والشكماجه والسدة والبوشية، والكليم والمرقوم والتازير والقيطان، والذمية والشوشان، والفيشطه والكابو والمايسترو والريّ والبيّ والباي. أكثر من نصف هذه الألفاظ والأدوات التي ترد في يوميات الحسن الفقيه، وورد عددا منها بالمسلسل؛ كان قد انتهى دورها في حياة الأحفاد على غرار واقع حياة الأجداد. ذلك أن عشرات الألفاظ والمصطلحات قد أضحت منسية اليوم، بعد أن انقطع تداولها جيلا بعد جيل. وأنا شخصيا دائما أقول أن اللهجات واللغات تتعرض لتغيرات وتحولات وتبدلات في مصطلحاتها، وغالبا ما تتحسن أو تتيسر نطقا عصرا بعد عصر.
يغيب عنا اليوم أن سكان المدن البحرية خصوصا (الطرابلسيون والبناغزة) كانوا (يفهمون اللاتينية ويتحدثون بلكنة إيطالية) وإن كانت سيئة كما تقول بعض المصادر، أما يوسف القرمانلي فقد كان شخصيا يجيد الإيطالية بطلاقة، ولم تكن هذه الدراية اللغوية والثقافية ناتجة عن تعليم حكومي بقدر ما كانت نتيجة طبيعية من وجود الأقليات الأوربية في بلادنا. بل وزوجة أحد القناصل الأوربيون: فرانسجي فان بروجيل François Van Bruegel تخبرنا بأنها تعلمت بعض المفردات العربية والألفاظ الطرابلسية من خلال تعاملها مع الخدم، مما يفيد بأن الخدم أيضا كانوا يجيدون اللاتينية! سواء أكانت إيطالية أم إسبانية أم فرنسية أم إنجليزية.
(وفي شعاب برقة ) يخبرنا أحد الرحالة الضيوف الألمان؛ بأن أحد الرجال من البدو قد استقبله في الصباح بكلمة bon journo !! أما مدوّن الفترة اليوسفية القرمانلية: الحسن الفقيه حسن، فيؤكد في عهده القرمانلي، بأن الكتابة والإعلانات الرسمية تتم في البلاد بثلاث لغات هي:
العربية واللاتينية والرومية.
(الملابس كانت فضفاضة) على النحو الذي تشاهدونه في المسلسل، لقد كانت الجبة الفضفاضة والعمامة الملفوفة على الرأس، هي ملابس المسؤولين، مع استعمال الفرملة والزبون والسروال المزخرف بالخرج، بين الوزراء والقناصل والآغاوات؛ وهذا موثق وصفا في بعض المصادر التي عاصرت المرحلة القرمانلية.
(جرى تمثيل المشاهد بتونس) وذلك على الرغم من أن السراي الحمراء أمامنا، إلا أنها لم تكن يوما في حال مناسبة لإجراء تمثيلي لأي مشهد تاريخي. فهي محاطة بالخيوط والأسلاك الكهربائية، المصابيح والكشافات، كاميرات المراقبة الخ جميعها لا يمكن إزالته. وبلادنا على عكس البلدان الأخرى، تخلو من وجود أزقة وجدران وبيوت كاملة غير مسكونة، أو مهيئة للعمل السينمائي دون غيره، كما هو الحال في دمشق والرباط وغيرها من العواصم التي تجد فيها مواقع كاملة للتصوير الدرامي.
شخصيا أرى من الأفضل لو تم تجسيد عمل درامي تاريخي (يختص بدولة أحمد باشا القرمانلي) أكثر من أحفاده!. ذلك أن الرجل لم يكن مؤسس الدولة القرمانلية فحسب في يوليو 1711 ! بل كان أول من صمم الهوية الوطنية الجامعة، والمسماة وقتذاك هوية طرابلسية، مع أول سيادة جيوسياسية على البر والبحر في المياه الاقليمية وحتى الدولية، مع أول علم لبلادنا وأول شعار وديوان ومجلس حكم وأول كتاب يرصد تاريخ القطر الطرابلسي/الليبي، والمسمى التذكار، والذي أنجزه المؤرخ المصراتي محمد خليل بن غلبون. مع ظهور أول أسطول محلي، وأول قوات نظامية وأخرى غير نظامية، وبالنتيجة: ميلاد أول هوية للدولة القطرية التي تحكم ومن الداخل كامل أقاليم البلد المشتتة سابقا، ودفعة واحدة، ولأول مرة في التاريخ الليبي طوال العصور.
لكن عهد (أحمد القرمانلي)، وبصفته مؤسس أركان الدولة القطرية، لم يكن – وكذلك ابنه محمد القرمانلي - وباستثناء التفاصيل السياسية يحظ بأي بغنى معلوماتي في بقية الجوانب الاجتماعية والتراثية والفلكلورية الشعبية والإنسانية وخلافها!.
على هذا الأساس، تكون الدراما الحقيقية بازغة في عهد حفيده ( علي باشا)، الذي تدور أحداث المسلسل في زمنه. الاتصالات الداخلية والخارجية، العلاقات الأسرية والاجتماعية، تفاصيل اللباس والأكل والشراب والإتيكيت والاستقبال. وطبيعة الحياة العامة بين الأهالي لباسا وطعاما وحركة ونشاطا. علاوة على ما سبق، تحظ فترة علي باشا، ومن بعده ابنه يوسف، بكونها أكثر الفترات التي حظت بالزيارات الأجنبية، والتي نجد لها توثيقا محليا من الحسن الفقيه، ثم التحق به النائب الأنصاري في وقت لاحق، فضلا عن مدونات ومصادر الأجانب: الآنسة توللي Miss Tully شقيقة القنصل البريطاني بطرابلس، ريتشارد توللي Richard Tully والسيدة فرانسجي فان بروجيل François Van Bruegel والنقيب جورج فرنسيس ليون George Francis Lyon وغيرهم.


(لن نغفل عناصر البلد) المذكورين بزخم كبير: الباشا، البك، اللالة، والللات، شيخ البلاد، الكيخيا، ريس البحرية، الآغا، آغا الانكشارية، أعيان المدن وشيوخ القبائل.
وإذا شئنا التفصيل نورد لكم ما يلي:
الترتيب الهرمي للسلم الوظيفي بالدولة القره مانلية، يبدأ من:
(الباشا) وهو أعلى سلطة تشريعية بالنظام المؤسس وفق التقاليد السياسية في ذاك العصر
بعد الباشا، يأتي (البك)، وهو ابنه في الغالب، ويشغل منصب رئيس قوى الكولوغلية والينيشارية والجنود غير النظاميين من الفئات الأخرى عرب وبربر وزنوج وغيرهم .. والذين يجندون في أوقات الدفاع عن البلاد.
تحت أمرة البك يقع (الآغا) و(الباشا آغا) ولهما عدد من الأغوات المساعدين
(الأسطول) يرأسه رايس البحرية، ويوافقه رئيس الجمارك الذي كان مسؤولا عن شؤون الميناء
على الجانب المدني، يأتي (الكيخيا الكبير)، وهي كلمة تعني مراقب أو ملاحظ، ويعد مستشاراً للباشا
(الكيخيا الصغير) هو معاون الكيخيا الكبير في المعرفة والاطلاع بإجراءات التقاليد السياسية للدول الاوربية، ومراقبة كل الأمور المتصلة بشؤون الأهالي والسكان والقبائل المستقرة والوافدة والمترحلة.
الإدارة المدنية تدار من رجل يطلق عليه اسم (شيخ البلد)
وهناك (القاضي) و(شيخ الأشراف) و يسمى شريف مكة. المرابطين، ولديهم (كبير المرابطين/أو شيخ المرابطين)، وهناك (رؤساء للمدن) و(وجهاء للمناطق) و(شيوخ للقبائل)
(الباش كاتب) هو رئيس الكتاب، وهو معاون الكيخيا الصغير ومسؤول عن قيادة الحرس الخاص
(الخوجة)، هو كاتب سر الباشا، والخواجات هم رؤساء الكتّاب الذين من خلالهم يتم ترشيح السفراء والقناصل
(الخزندار)، هو أمين بيت مال المسلمين، وهو المشرف على أموال الولاية
(الشواويش)، هم ضباط الشرطة (المفرد شاوش) يعملون حرس ومخبرين وضباط للأمن والقانون، معظم هؤلاء من الينيشارية وهم من أصول أوربية من الداخلين في الإسلام، أو من الزنوج الأفارقة الداخلين بدورهم في سلك الدين، على طريقة التنشئة الإسلامية العثمانية وقتذاك.
كان أيضا ثمة (نقباء متنوعين)، نقيب لليهود، والربّي وهو شيخ اليهود. وهناك نقيب للنصارى، ونقيب للأقليات العرقية الأخرى: كلدان، أرمن، ونحوهم.
وهناك (نقباء المهن والأعمال) كنقيب الخبازين، ونقيب التارزية/الخياطين، ونقيب التجار وغيرهم من فئات الوظائف الأهلية.
مشاهدة طيبة ومفيدة تتمناها إدارة المسلسل وفريق العمل بكامله لكم. وإضافة جديدة لأرشيف الشاشة الليبية.

No comments:

Post a Comment