كتاب : الحرب " كيف صنعتنا النزاعات والصراعات؟ "
تأليف: مارغريت ماكميلان
تاريخ النشر: 01/01/2024
الناشر:دار العالي للطباعة والنشر والتوزيع
War: How Conflict Shaped Us Book by Margaret MacMillan
الفكرة الأساسية
الكتاب يستعرض كيف أن الحرب ليست مجرد حدث طارئ أو شرّ استثنائي، بل ظاهرة متأصلة في التاريخ البشري، أثرت في تشكيل المجتمعات، الهويات، الأنظمة السياسية، والثقافات. تسعى ماكميلان إلى فهم الطبيعة الإنسانية عبر الحرب، وتوضح أن فهم الحروب ضروري لفهم أنفسنا.
المحاور
اولا : هل الحرب طبيعة بشرية أم خيار اجتماعي؟
تناقش الكاتبة الجدل الفلسفي والأنثروبولوجي حول ما إذا كانت الحروب غريزة بشرية أم نتيجة لبنى اجتماعية وسياسية معينة. تستعرض أمثلة من المجتمعات القديمة والمعاصرة لتُظهر أن الحرب كانت حاضرة تقريبًا في كل العصور.
ثانيا : الحرب والمجتمع: تأثير متبادل
تستعرض كيف غيّرت الحروب طبيعة الدولة (من جمع الضرائب إلى بناء الجيوش)، وكيف دفعت بالعلم، الطب، والإدارة إلى الأمام. كما تُظهر كيف كانت الحرب محفزًا للمساواة أحيانًا، حيث ساهمت في دمج الطبقات والفئات المهمشة (مثل مشاركة النساء في الحرب العالمية الثانية).
ثالثا : الحرب والثقافة: الأساطير والرموز
تستعرض الكاتبة كيف أصبحت الحرب مصدرًا للحكايات البطولية والأساطير القومية، وكيف أثّرت في الفن والأدب والدين. من الإلياذة إلى ملحمة جلجامش إلى الروايات الحديثة عن فيتنام وأفغانستان.
رابعا : الجنود وتجربة الحرب
تركز ماكميلان على تجارب الجنود كأفراد، وتستند إلى شهادات من حروب متعددة لتوضح الألم، الولاء، الخوف، والانهيار النفسي. تُظهر أن الجنود ليسوا مجرد أدوات بل فاعلون متأثرون ومتألمون.
خامسا : الحرب والسلام: علاقة متوترة
ترى ماكميلان أن السعي إلى السلام يتطلب فهم آليات الحرب، لا إنكارها. فالتاريخ مليء بمحاولات فاشلة للسلام بسبب الجهل بطبيعة الصراع.
سادسا : متى تكون الحرب "مبررة"؟
تناقش الكاتبة المفاهيم الأخلاقية والسياسية للحرب، مثل "الحرب العادلة" و"حق الدفاع"، وتوضح مدى غموض هذه المفاهيم تاريخيًا، وكيف تُستخدم أحيانًا لتبرير العدوان.
السؤال الأخلاقي والسياسي: متى تكون الحرب مبررة؟
تتعمق ماكميلان في هذا السؤال الإشكالي، الذي لطالما أرّق الفلاسفة، والمفكرين، ورجال الدين، وصانعي السياسات. وتوضح أن الإجابات على هذا السؤال لا تنفصل عن السياق التاريخي والثقافي والسياسي لكل عصر، بل إنها غالبًا ما تعكس مصالح القوى المتنازعة أكثر من المبادئ الأخلاقية المجردة.
"الحرب العادلة" (Just War Theory)
ترصد الكاتبة تطور مفهوم الحرب العادلة الذي يعود إلى فلاسفة مثل أوغسطين وتوما الإكويني، والذي يشترط شروطًا مثل:
أن تكون الحرب دفاعًا عن النفس أو لرفع ظلم واضح.
أن تكون مُعلَنة من سلطة شرعية.
أن تُستخدم القوة بشكل متناسب مع الهدف.
أن تكون الملاذ الأخير بعد فشل كل الطرق السلمية.
لكن ماكميلان تشير إلى أن هذا الإطار، رغم أهميته الأخلاقية، كان كثيرًا ما يُستخدم لتبرير الحروب العدوانية أيضًا، خاصة عندما تلجأ الأنظمة إلى تأويل "العدالة" بحسب مصالحها.
حق الدفاع عن النفس
تتناول ماكميلان هذا المفهوم بوصفه أحد أكثر المبررات استخدامًا في التاريخ الحديث، وتبين أنه أحيانًا يُستخدم بصدق، كما في مقاومة الاحتلال أو ردّ العدوان المباشر، لكنه كثيرًا ما يتحوّل إلى ذريعة استباقية، حيث تدّعي الدول أنها "تدافع" عن نفسها بمهاجمة الآخرين (مثلاً: الغزو الأمريكي للعراق 2003 بدعوى وجود "تهديد وشيك").
الازدواجية التاريخية
تستعرض المؤلفة أمثلة عديدة لحروب وُصفت بأنها عادلة في وقتها، ثم نظر إليها التاريخ لاحقًا باعتبارها مغامرات إمبريالية أو جرائم. تضرب مثلاً بالحملات الصليبية، التي اعتُبرت حروبًا مقدسة، لكنها في الواقع كانت مشحونة بالمصالح الدنيوية، كما تُظهر كيف استُخدم الخطاب "الأخلاقي" لتبرير الاستعمار الأوروبي باسم "تحضير الشعوب المتخلفة".
غموض المعايير
تقول ماكميلان إن أحد التحديات الكبرى في فكرة "الحرب المبررة" هو أن جميع الأطراف في أي حرب تقريبًا ترى نفسها في الجانب الأخلاقي، وتستخدم الخطاب الأخلاقي لإقناع شعوبها والعالم بعدالة قضيتها، حتى في أكثر الحروب دموية وعبثًا.
دروس التاريخ
في النهاية، لا تنكر ماكميلان أن بعض الحروب كانت ضرورية أخلاقيًا (مثل الحرب ضد النازية)، لكنها تؤكد أن:
"الاعتقاد بأننا قادرون دائمًا على التمييز بين الخير والشر في سياق الحرب، هو تبسيط خطير... فحتى أكثر الحروب مبررًا تؤدي إلى أفعال لا أخلاقية."
خلاصة هذا المحور
الحرب قد تبدو "مبررة" في سياقات معينة، لكن مفهوم "العدالة في الحرب" معقد ومتغير، وغالبًا ما يُستخدم كأداة دعائية. ماكميلان تحثّ على توخي الحذر عند استخدام هذه المفاهيم، لأنها قد تخلق وهمًا أخلاقيًا يُخفي وحشية الحرب الحقيقية.
الاستقبال النقدي
نال الكتاب إشادة واسعة من النقاد:
نيويورك تايمز
وصفت الكتاب بأنه تحليل رائع وواسع النطاق، يجمع بين التاريخ العميق والتأمل الإنساني، وأشادت بقدرة ماكميلان على تقديم موضوع الحرب بأسلوب سلس وجاذب للقارئ العام دون التضحية بالدقة العلمية.
الغارديان
مدحت الكتاب بوصفه مؤلَّفًا بالغ الأهمية يضيء على العلاقة المعقدة بين الحرب والبشرية، واعتبرته عملًا يليق بإحدى ألمع المؤرخات في عصرنا.
الإيكونوميست
قالت المجلة إن الكتاب يثير تساؤلات أخلاقية وتاريخية عميقة حول طبيعتنا البشرية، وأنه يتميز بثراء الأمثلة وتنوع زوايا النظر.
مجلة نيو ستيتسمان
رأت أن ماكميلان نجحت في ربط تجارب الجنود الشخصية بالسرد التاريخي العام، مما يجعل الكتاب إنسانيًا بقدر ما هو تاريخي..
انتقده البعض لتقديمه الحرب أحيانًا كأمر "لا مفر منه"، مما قد يخفف من محاسبة الأنظمة السياسية.
مغزى الكتاب
الحرب ليست حدثًا عرضيًا بل هي جزء من نسيج التجربة البشرية. ولكي نمنع الحروب أو نقللها، علينا أن نواجه حقيقتها، لا أن ننكرها أو نختزلها في الشرّ المطلق. الفهم العميق للحرب يساعدنا في بناء سلام أكثر واقعية واستدامة.
نبذة عن المؤلفة
مارغريت ماكميلان مؤرخة كندية بارزة، متخصصة في التاريخ الدبلوماسي والعلاقات الدولية. أستاذة بجامعة أكسفورد، من أشهر كتبها:
Paris 1919: Six Months That Changed the World
The Uses and Abuses of History
خلاصة نهائية
كتاب الحرب " كيف صنعتنا النزاعات والصراعات؟ ليس دراسة عسكرية فقط، بل تأمل فلسفي وتاريخي في كيف شكّلت الحروب العالم الذي نعيش فيه، وكيف شكّلتنا كبشر. ماكميلان تدعونا إلى فهم الحرب لا لتمجيدها، بل لفهم أنفسنا وتاريخنا، بغية تفادي مآسي المستقبل.

No comments:
Post a Comment