"الفلاسفة لم يكرهوا النساء... بل عرفوا حقيقتهم، عكس الشعراء الذين أسرتهم الشهوة"
في التاريخ الطويل للفكر الإنساني، كثيرًا ما يُتهم الفلاسفة بأنهم "كرهوا النساء"، بينما يُشاد بالشعراء لأنهم تغنّوا بهن، ورفعن إلى مصافّ الآلهة والملكات. لكن لو أمعنّا النظر بعمق وجرأة، سنجد أن هذه الصورة تحتاج إلى إعادة نظر: فالفلاسفة لم يكرهوا النساء، بل رأوا حقيقتهم كما هي، من دون زينة ولا قناع، أما الشعراء، فأسرتهم الشهوة والخيال، حتى نسجوا صورًا خيالية لا تمتّ للواقع بصلة.
الفلاسفة، منذ أفلاطون إلى نيتشه، لم يخجلوا من طرح أسئلة وجودية عن طبيعة المرأة، عن دورها، عن علاقتها بالرجل والمجتمع. كانوا أحيانًا قساة، ناقدين، ولكنهم لم يكونوا كاذبين. لم يكتبوا عن المرأة التي يريدونها، بل عن المرأة كما رأوها. لم يتغنّوا بعينيها وخصرها، بل تساءلوا عن فكرها، عن حرّيتها، عن مكمن قوّتها أو خضوعها.
أما الشعراء؟ فقد صوّروا النساء ككائنات سماوية، خارجة عن الزمن والمجتمع والواقع. جعلوهنّ آلهات، ملهمات، نبعًا للحنين والعشق والتضحية. بكوا لفراقهن، وكتبوا دواوين في وصف أنوثتهن. لكن خلف هذا الغزل، كانت هناك حقيقة مُرّة: كثير من هؤلاء الشعراء لم يعرفوا النساء كأشخاص، بل كأوهام. لم يحبّوا المرأة، بل حلمهم عنها.
والمفارقة الساخرة؟ أن الشاعر الذي كتب أجمل القصائد في محبوبته، كثيرًا ما تُختطف منه تلك المحبوبة في النهاية على يد رجل آخر. قد يكون غنيًا، قويًا، أو ببساطة أكثر واقعية. فتذهب "الملكة" التي كتب عنها القصائد إلى من يقدّم لها ما هو أكثر من الكلام... إلى من يعيش في الواقع، لا في القصيدة.
ربما لهذا السبب كان الفيلسوف ساخرًا، بينما الشاعر كان باكيًا. الأول رأى الحقيقة، والثاني خُدع بها.
في زمننا هذا، نحن في أمسّ الحاجة إلى أن نفهم النساء كما هنّ، لا كما نتخيّلهن. لا نريد شاعرًا يمجّد امرأة لا وجود لها، بل مفكرًا يطرح الأسئلة الجريئة: ماذا تريد المرأة؟ من يقيدها؟ من يحررها؟ ومتى تكون سيّدة نفسها فعلًا، لا موضوعًا لغزل الآخرين؟
نعم، الفلاسفة لم يكرهوا النساء... بل احترموا عقولهم بما يكفي لقول الحقيقة.
No comments:
Post a Comment