ظاهرة الحنين إلى الماضي وإلى قصص البطولات وأحلام التميز ، باتت تستشري
بين أبناء السودان على نحو خطر ، حيث ينفصل حاضر الوعي تماماً عن واقع الأمر ،
ويتواصل دون حياء مع مسببات الانتكاس القومي ، كما هو السكوت عن مدعي مهدية كان
يجب اقامة الحد عليه فصار بطلاً قومياً (محفزاً تناقض المنطق والدين والتاريخ
والجغرافية) ، كما هو ابتكار الرموز القومية قسراً (مثل متفرج أصابة عيار طائش
فصار مناضلاً) ، كما هو مصارعة المصريين على من له السبق في التاريخ (كأن يبدل علم
المصريات بخرافة السودانيات) ، كما هو نزع الوطنية عن رجال جل تهمتهم انتمائهم إلى
فيصل العسكر (برغم شواهد التغيير فيما صنعوا) ، كما هو تبجيل شواذ آفاق امتهنوا
عقائد مستوردة بأكثر من أهلها (برغم افتقارهم للريادة والقيادة الحقة) ، كما هو
البحث عن الذات في لندن وباريس والقاهرة وواشنطن (دون مساءلة موارد الرزق والمعاش)
، كما هو تداول تساؤل الطيب عن هؤلاء (برغم أنهم نتاج الحيشان والونسة وقروية
البنيان) ، كما صار الغالبية مسلمو القول لا الفعل (يحبون الله ويطيعون أبليس) ،
لذا صار التعليق مراً والحادث لايهم والمستقبل يلفه الضباب ، وقد صدق القائل بأن
القلم لا يزيل البلم
الكل صار خبيراً في شئون السياسة وتحليلاتها ، وكما أن دعاوي
التكفير صدرت فيما مضى ، على آيدي شبان حفظوا بضعة سور وآحاديث واستمعوا لقطب وكشك
، ولم يدركوا أنه يلزم الاحاطة بنحو الأربعين من العلوم للتصدي للفتوى ، فاليوم
تملأ عيوننا كتابات من لم يقرأوا سوى العناوين ، ومن لا يعلموا عن التاريخ
والحغرافية سوى النذر اليسير ، ومن لديه فراغ الزمن ليملأه صخباً ، وفراغ العقول
ليملأه خرفاً ، تثيرهم حكايات المؤامرات والدسائس ، وحال التعب ينكبون على المأكل
والمشروب والمناكح والمشتريات ، بضعة من أمة تعبد العروش والقروش والكروش والرموش
، فلا عجب من نهاية التاريخ
No comments:
Post a Comment