من الصور الأكثر ندرة لحي بولاق أبو العلا في القاهرة سنة 1857
و هو الحي العريق الذي شهد أحداث ثورة القاهرة ضد الإحتلال الفرنسي و هنا نذكر قصة رجلا نادرا ما يذكره أحد بالرغم من دوره العظيم في تاريخ مصر و هو مصطفي البشتيلي , أصله من قرية بشتيل بمحافظة الجيزة ، عندما احتل الفرنسيون مصر عام 1798 كان مصطفى البشتيلي تاجرا ثريا يمتلك وكالة (محلا كبيرا) لبيع الزيوت في بولاق أبو العلا ويعيش حياة مرفهة مع أسرته، لم يكن ينقصه شيء، لكنه قرر أن يقاوم الاحتلال الفرنسي فشرع يخزن البارود في براميل الزيت استعدادا ليوم الثورة ثم وشى به بعض جيرانه للسلطة الفرنسية التي أمرت بتفتيش الوكالة ولما وجد الفرنسيون البارود عنده قبضوا عليه وألقوا به في السجن بضعة أشهر ثم أطلقوا سراحه، كان من الممكن لمصطفى البشتيلي عندئذ أن يبتعد عن المشاكل ويعكف على تجارته المربحة، لكنه كان مصرًّا على مقاومة الفرنسيين
في مارس عام 1800 عندما اندلعت ثورة القاهرة الثانية ضد الجيش الفرنسي تحول مصطفى البشتيلي إلى زعيم حقيقي يمد الثوار بالاسلحة وينفق من ماله لتلبية احتياجاتهم ويقودهم بنفسه في غاراتهم المستمرة على معسكرات الفرنسيين . كان نابليون بونابرت قد عاد إلى فرنسا وترك قيادة الحملة للجنرال كليبر الذي فوجئ بضراوة الثورة فعرض على المصريين الثائرين الصلح ولما رفضوا شن الجيش الفرنسي هجوما كاسحا على القاهرة استباح خلاله قتل المصريين وسبي نسائهم ونهب أموالهم ومتاعهم وقد انهمرت القنابل الفرنسية بغزارة فأحرقت حي بولاق بالكامل وأحياء أخرى كثيرة في القاهرة
وفي النهاية تمكن الفرنسيون من اخماد الثورة المصرية وفر مصطفى البشتيلي هربا من الفرنسيين لكنهم نجحوا في القبض عليه. هنا حدثت واقعة مأساوية وفريدة من نوعها. لم يرد الجنرال كليبر أن يصدر قرارا باعدام مصطفى البشتيلي حتى لا يتحول إلى بطل في نظر الشعب فطلب من جموع المصريين في بولاق أن يعاقبوا البشتيلي بأنفسهم لأنه حرضهم على الفتنة التي أدت إلى احراق بيوتهم وقتل أقاربهم وسبي نسائهم
لقد حمل الجنرال كليبر البشتيلي المسؤولية عن كل الجرائم التي ارتكبها الجيش الفرنسي لاخماد الثورة. الغريب أن المصريين اقتنعوا بهذا المنطق الشاذ وقاموا بتجريس مصطفى البشتيلي. التجريس عقوبة قديمة يتم فيها اجلاس الشخص المعاقب على الحمار بالمقلوب ثم يطوف بالشوارع فيبصق الناس على وجهه ويصفعونه ويشتمونه. قام المصريون بتجريس زعيمهم مصطفى البشتيلي وفي النهاية انهالوا عليه ضربا بالنبابيت حتى قتلوه
يحاول بعض المؤرخين التخفيف من هذه الواقعة المشينة فيقولون إن المصريين جرسوا البشتيلي وقتلوه خوفا من بطش الجنرال كليبر. هذا تبرير غير منطقي وعذر أقبح من ذنب. اذ كيف يخاف المصريون على حياتهم فيقتلون زعيمهم بأيديهم؟ واذا خاف بعضهم فارتكبوا هذه الجريمة الشنيعة فلماذا لم ينقذ بقية المصريين البشتيلي العظيم ووقفوا يتفرجون عليه وهو يتعرض للتجريس والقتل؟
No comments:
Post a Comment