Saturday, April 10, 2021

محاولة لفهم أزمة النيل

 

لم يتطلب الأمر أكثر من ساعة للوصول الى المعلومات أعلاه ، والتي تشكل البيانات الاساسية ، بدون المؤشرات الهندسية والعلمية التي قد تقود القراء الى التيه والتخبط والشك ، ومن ثم العداء

بالتأكيد أن أي نهر في أي مكان يحتاج الى حد مائي أدني من المياة لكي يستمر ولا يجف ، وبالتالي يمكن باستمرار الاستفادة منه ليس فقط في الزراعة ولكن كذلك في النقل والمواصلات والصناعة وغيرها ، ويمكن القول بأن المستويات الحالية لنهر النيل عند نقاطه الأساسية تمثل الحد المائي الأدني لبقاؤه واستمراريته

والنقاط الأساسية لقياسات وجمع بيانات نهر النيل هي أربع

  • محطة الديم أعلى سد الروصيرص عند حدود السودان وأثيوبيا ، وتعتبر مقياس الايرادات المائية من النيل الأزرق أو سد النهضة 
  • محطة مونجولا الى الشمال من مدينة جوبا عاصمة جنوب السودان ، وهي فم قناة جونجلي التي توقف العمل بها في 1983
  • محطة المقرن أو الخرطوم التي تقيس ايرادات المياة من النيل الأبيض
  • محطة أسوان ، والتي تمثل ايرادات النيل عند السد العالي في مصر

وتشير البيانات الى حجم الايرادات المائية عند كل من هذه المحطات

كذلك تشير الى الاستهلاك المائي في كل من البلاد الثلاث - برغم أن أثيوبيا ليست طرفاً في إدارة مياة النيل ، والفاقد من المياة بالتبخير أو التصريف الطبيعي أو الحد المائي الأدني ، وفق أعلاه

ويمكن تلخيص التناقضات في التالي

  • مايصل الى 35% من الايرادات المائية عند أسوان لا يمكن حجزها وتذهب الى البحر الابيض المتوسط ، حيث تشكل الحد المائي الأدنى
  • الفاقد بالتبخير يصعب التحكم فيه حيث الظروف الجغرافية والمناخية هي ما يصنعه ولا توجد حلول له
  •  ما يتبقى لمصر يشكل 55 مليار متر مكعب سنوياً ، ورغم أنه يتناسب مع اتفاقية مياة النيل ، إلا أنه لا يفي باحتياجات مصر المستقبلية
  • يتوقع أن يؤدي سد النهضة الى تقليل الايرادات المائية عند الروصيرص خلال أعمال ملء الخزان ، وبالتالي عند أسوان ، ولكنه لن يؤثر فعلاً على الإيرادات أو يقفل توريد المياة الى مصر مستقبلاً. إنه سد لتوليد الكهرباء وليس للري


لذا فان الخلاف يتمحور حول وجهات نظر فنية وقانونية متداخلة  

  • تسعى مصر لتأمين الاحتياجات المتزايدة من المياة ، وبرغم ان استكمال قناة جونجلي سوف يزيد الايرادات عند أسوان بحوالي 7% ، فانها غير كافية على المدى البعيد ، ولذا تحاول مصر سن تخطيط مستقبلي يعتمد على التحكم الأشمل في مياة النيل ، وبرغم أن أثيوبيا ليست طرفاً في اتفاقية مياة النيل التي تقسم الـ 74 مليار متر مكعب بين السودان ومصر فقط ، والاتفاقية بين بريطانيا والامبراطور منليك لم تتعدى تبادل المعلومات قبل الشروع في أي منشأت تؤثر على ايرادات النيل المائية.

  • لدى أثيوبيا نظرة سيادية ، وتقوم على أن تصرفاتها لن تؤثر بشكل مستدام على مياة النيل سوى في فترات ملء الخزان ، وحيث ن الزراعة في أثيوبيا تعتمد على الامطار بنحو 80% ، وعدا هذا فان الايرادات المائية عند محطة الروصيرص لن تتأثر ، هذا فضلا عن ان احتياجاتها للكهرباء (7 جيجابيت) سوف تشكل استراتيجية تنموية لا بديل لها ، هكذا تريد أثيوبيا من مصر والسودان التحلي بالصبر لحين ملء الخزان وعودة الايرادات المائية الى معدلاتها الطبيعية

للأسف ، كلا الحكومتين المصرية والأثيوبية قد "جيشّت" الاعلام وازداد قرع طبول الحرب ، ولم أجد ما يدعو لهذا الزخم أو التعبئة الاعلامية ، سوى الأجندات السياسية والاستراتيجية التي تحركها قوى داخلية واقليمية وعالمية  متنوعة

ويتم الترويج لمغالطات كثيرة فنية ، ويشتيت التركيز عن القضية الأساسية ، وليست أي حكومة ، تستثمر الأموال الكثيرة في مشروع فاشل ، فليس هذا ألية آداء أية حكومة حتى لو فاشلة ، والأمر في تقديري ترجمة لرغبة مصر في تأمين (مستقبل) مياة النيل وليس حاضرها ، ورغبة أثيوبيا في استعجال توليد الكهرباء من أجل (حاضر) التنمية ، بينما السودان مجرد معبر للمياة ، ولا يملك خطط ولا أمكانيات للتحكم فيها

لذا كان الخلاف في أن يتم ملء السد خلال سبع سنوات (أثيوبيا) أو خلال واحد وعشرون سنة (مصر)
ولم يكن اطلاقاً حول التربة والجيولوجيا

حيث هندسياً سيتم الملء مرة واحدة ، وليس على امتداد الزمن ، حيث تسعي مصر لتقليل الأثر من تقليل
 الوارد خلال فترة الملء .. بينما أثيوبيا تسعى للوصول لذروة الانتاج الكهربائي في أقل مدة ممكنة

اهم شئ هو سعي مصر لربط أثيوبيا باتفاقية ملزمة توخياً لأية مشروعات أثيوبية مستقبلية ، ويمكن الرجوع لنفس المشكلة بين تركيا والعراق وغيرهم من البلاد التي تتشارك في الأنهار

ولأن في عروقي تجري دماء سودانية ومصرية وأثيوبية ، فانني براء من التحيز أو العصبية أو الغرضية في ما أقول .. ولست أعتقد في أن العنف سيكون الحل ، بل تصالح على مشقة حيث أن كل الحكومات باتت تجيد تعبئة 
جماهيرها ، سواء على حق أو على باطل

وبالتأكيد أن الحشد الأثيوبي لعدة ملايين من المشاة ، أو الحشد المصري لأسراب الـ أف 35 في السودان أو الرفال في برنيس ، لا يعني الاستعداد للحرب ، بل شكل من أشكال التفاوض السياسي العسكري ، فالحرب هي المفاوضة السياسية العنيفة

وفي كل تحليل وطني ، فكل تعبئة هي على حق ، وهي للغير ناقوس خطر ونحاس..
(النحاس هي التسمية السودانية لطبول الحرب والاحتفال)


4 comments:

  1. أشكر كل من قراء المقال ، ولم يعلق ، وأدري أن الأرقام لا تكذب ، وهي تشكل صدمة للكثيرين ممن قد صبغ الاعلام رؤيتهم ، وتركهم لا يعرفون الصواب من الخطأ
    أسأل المولى تعالى أن لا يغالي الساسة في جر الجماهير الكادحة نحو ما لا يحمد عقباه

    ReplyDelete
  2. مقال موضوعي وأكثر من رائع أستاذنا الجليل

    ReplyDelete
  3. المثير هو تراجع الأطراف عن العنف الإعلامي والسياسي ، والاحتماك للمنطق ، بعد أن تبين للكثير حول العالم أن شعوب العالم الثالث تدير خلافاتها بشكل عشوائي وعاطفي ، وأحيانا كثيرة بغير ذكاء

    ReplyDelete
  4. https://www.youtube.com/watch?v=1qwpyonf2og

    ReplyDelete