Friday, June 4, 2021

الأويراتية


Mohamed Qadry

"الأويراتية" ..
المغول الشامانيين البوذيين ..
من هضبة التبت إلى أبواب القاهرة ..
هل شاهدت فيلم "فتوات الحسينية" ؟
صباح الخير.. من أمام باب النصر .. أحد أبواب القاهرة.
هذه خواطر متفرقة في القاهرة المغولية مع اقتباسات تاريخية ...
أنفس وأنفاس..
أنفس مغولية وأنفاس شامانية بوذية بدوية آسيوية مقاتلة لأحفاد تيموجين بن ياسوكاي (جنكيز خان) على ضفاف نهر النيل بالقاهرة.
هنا مصر ..
حيث عاشت ومرت وانصهرت وتمصرت عبر الزمن شعوب وأعراق تزيد على الخمسين عرقا وجنسا :
قبط ويونان .. عرب وسودان .. مغول وتركمان .. فرس وألبان.. كرج وبلقان.. كرد وأرمن .. ترك وشركس .. أحباش وبربر..أبخاز وتتر .. أوزبك وكازاخ..
وغيرهم من قائمة طويلة من شعوب النهر والبحر والصحراء والسهوب والغابات من إفريقيا وآسيا وأوروبا لتكون صورة كوزموبوليتانية فريدة متعددة الأعراق ومتوحدة في آن واحد.
أربع منظومات من القيم الاجتماعية والدينية والسمات الشخصية والخصائص النفسية تنوعت وانصهرت وتمايزت واختلطت بين :
منظومة القيم الزراعية النهرية (النيل) وأخرى بحرية متوسطية (البحر المتوسط) وثالثة عربية صحراوية (شبه الجزيرة العربية) ورابعة بدوية مغولية (السهوب الآسيوية)
هنا القاهرة..
المحطة الأخيرة والنهائية لقصص ألف ليلة وليلة حيث تنهي شهرزاد في بلاد الساسان قصصها الخلابة على أسماع شهريار بقصة "معروف الإسكافي" القاهري المصري لتحمله عبر طريق الحرير بذائقة شعرية وخيالات خصبة لشعوب أعجمية صاغت قصصها بعربية سليمة فأضافت إلى دواوين العرب في الجاهلية والإسلام من الشعر والنثر مساحات قصصية مركبة جديدة من الأدب والتعبير الإنساني المصطبغة بقيم هذه الشعوب والقبائل الأعجمية.
أتوقف هنا في هذا المكان خارج وأمام أبواب القاهرة وتحديدا باب النصر وباب الفتوح عند بداية ما عرف بحي "الحسينية" الذي بدأ بحارة الحسينية ثم امتد مع الزمن حتى حي الظاهر قبل أن يندثر حي الحسينية القديم. .. وحتى إنتاج فيلم "فتوات الحسينية".




لم يحظ موضوع "المغول الوافدية" على أهميته إلا بالتغطية الأكاديمية المتخصصة المحصورة في رسائل الماجستير والدكتوراة .. برغم أنني أرى ضرورة الوعي به لكونه صبغ القاهرة وأهلها (وعدد من محافظات الدلتا مثل الدقهلية والغربية والمنوفية) بالطابع المغولي على مستوى المجتمع المحلي وعاداته وليس فقط على مستوى طبقة الحكم والأمراء والأجناد كما هو في العصر المملوكي بشكل عام .. حيث بلغ أعداد المتمصرين منهم بعشرات الآلاف من الأسر المقاتلة أصحاب الوجوه والصورة "الحسنة" والقوام الممشوق من أصحاب المهارات العسكرية الرائعة كقدرة الفارس منهم على القتال بسيفين بيديه في نفس الوقت من على صهوة جواده والبأس والاستهانة بالحياة البشرية..
وكان منهم الأهالي الذين امتهنوا الجزارة وقاوموا الفرنسيين بمنتهى الشراسة أيام الحملة الفرنسية وثورتي القاهرة .. فخصهم الفرنسيون بقسوة الانتقام وضربوا حي الحسينية وأهله بالمدافع بعد أن ذبحوا العسكر الفرنساوية ومثلوا بهم..
وكان منهم المشايخ الذين خلطوا عقائد الشامانية وتصوراتها الشعبية بالإسلام وربما بعض تصورات الجاينية والبوذية بعد تعريبها فظهر نموذج أعجمي جديد لأنماط التدين الشعبي الإسلامي في القاهرة والدلتا لاحقا يحمل في ثناياه هذه التصورات بشكل عفوي ويتم توارثها عبر الأجيال من خلال الأعراف الاجتماعية.
ثمانية عشر ألف خيمة
ثمانية عشر ألف خيمةللمغول الأويراتية الشامانيين والبوذيين القادمين إلى مصر من هضبة التبت شكلوا "حي سكني مفاجئ" حيث سكنوا الحسينية خارج باب النصر حتى باب الشعرية في عهد العادل زين الدين كتبغا وهم أبناء قبيلته أصلا ..
وقبلهم عشرة الاف أسرة لمغول القفجاق أبناء القبيلة الذهبية القادمين بوساطة بركة خان من جبال الأورال وكان منهم المسلمين وغيرهم ممن كانوا على الشريعة الجنكيزية - المتبعين لياسة جنكيز خان .. حتى من انتمى منهم للإسلام استمر في ذلك باعتبارها أعرافهم وعاداتهم وقواعدهم المغولية المرعية .. وقد سكنوا باب اللوق في عهد بيبرس البندقداري.
وغيرهم من الأوزبك - لا أعرف عددهم - الذين قدموا في عهد المنصور قلاوون فتزوج منهم وأنجب الناصر محمد الذي كان يهدد بالشكوى "لأخواله من التتر" عندما تسلط عليه بيبرس الجاشنكير وسلار وأقصوه عن منصبه.
لقد تغيرت طبيعة المأكولات بدخول عادة أكل لحم الخيول وشرب ألبانها ولكنها اندثرت ربما لعدم وجود مراعي للخيول في مصر أسوة ببلادهم الأصلية وتبقى منهم بعض المأكولات مثل شوربة الكوارع وغيرها من طعام المغول ..
بل وتغيرت كذلك أنماط شعر الغزل فأصبح الشعراء مثل بن نباتة المصري وغيره يتغزلون بالعربية في العيون الضيقة (المغولية) لبناتهم الحسناوات اللائي جمعن بين جمال الترك والتتر بدلا من العيون الواسعة والكحيلة على عادة الشعر العربي الأصيل.
فبعد ان كان جمال العيون يصاغ في:
إن العيون التي في طرفها حور ... يقتلننا ثم لا يحيين قتلانا
جاء الشعر في مصر بأبيات منها :
يصد بطرفه التركي عني .. صدقتم إن ضيق العين بخل
أو : علقته تتريا .. ويشجي القلوب ببينه
لا يرتجى الجود منه .. بالوصل من ضيق عينه
أو : بهت العذول وقد رأى ألحاظه .. تركية تدع الحليم سفيها


ذكر ابن تغر بردي:
أنه في عهد السلطان العادل كتبغا (المغولي) وتحديدا في عام 1296 م. قدم إلى القاهرة وسكن بحي الحسينية القائد "طرغاي" (زوج أحدى بنات هولاكو خان وفي قول آخر لأبو الفدا أنها بنت منكوتمر بن هولاكو بن تولوي بن جنكيز خان) قائدا لقبيلة "الأويراتية" المغولية الشامانية بعدد عشرة الاف فارس بأسرهم وخيولهم وأغنامهم مشكلين في مجموعهم ثمانية عشر ألف بيت، وكان عدد قوادهم مابين 200 إلى 300 قائد عسكري فذ... واشتهروا بالجمال الباهر لبناتهم وأبنائهم وافتتن الناس بهم.
ويضيف المقريزى في كتابه "السلوك لمعرفة دول الملوك" عن الأويراتيه وعاداتهم :
"ثم سار بهم الأمير قرا سنقر إلى القاهرة وبالغ السلطان في إكرامهم والإحسان إليهم وبقوا على كفرهم، ودخل شهر رمضان فلم يصم منهم أحد، وصاروا يأكلون الخيل من غير ذبحها، بل يربط الفرس ويضرب على وجهه حتى يموت فيؤكل. فأنف الأمراء من جلوسهم معهم بباب القلة في الخدمة، وعظم على الناس اكرامهم، وتزايد بعضهم في السلطان، و انطلقت الألسنة بذمه حتى أوجب ذلك خلع السلطان فيما بعد."
وعلمنا الأستاذ الفاضل أبو العلا خليل ما يلي بشأن "الأويراتية":
الأويراتية نسبة الى لفظ أويرات وهو اسم جنس يطلق على عدة قبائل مغولية سكنت الجزء الأعلى من حوض نهر ينسى بأواسط آسيا ، وكانت قبائل الأويراتية قد خضعت لسيادة جنكيزخان وآزرته فى حروبه وتزاوجت بيوتها من بيوته ومن احدى تلك الزيجات كان "بغا تيمور" الذى خدم بفئة من الأويراتية مع هولاكو فى فارس وفى غربى آسيا . وفى عهد الملك إيلخان غازان الذى اضطهد الأويراتية حضرت هذه الطائفة الى مصر فى شهر شوال عام 695 هـ فى سلطنة ابن قبيلتهم المغولي العادل زين الدين كتبغا على مصر ..
وعن ذلك يذكر ابن حبيب فى "تذكرة النبيه فى أيام المنصور وبنيه" :
(وفيها وفد الأويراتية من بلاد التتار خوفا من الملك غازان الى بلاد الإسلام صحبة مقدمهم طرغاى من أكابر المغول وكانوا نحو عشرة الآف نفر ) ... كان للأويراتية الحظ الوافر عند السلطان كتبغا وقدمهم على اكابر الأمراء لكونهم من جنسه ... ولما تسلطن لاجين قبض عليهم فسجن بعضهم وفرق بقيتهم على امراءه وانتشرت جماعة منهم فى الحسينية فى القاهرة واتخذوا فيها مساكن وانتشرت منهم بنات حسان فرغب فيهن أكابر الناس ..
وأخيرا.. يذكر المقريزى فى "الخطط" :
( ومابرحوا يوصفون بالزعارة والشجاعة وكان يقال لهم البدورة فيقال البدر فلان والبدر فلان ويعانون لباس الفتوة وحمل السلاح ).

No comments:

Post a Comment