يحكي الإمام أبي العباس المرسي فيقول:
صليت خلف سيدي الشيخ الأستاذ أبي الحسن صلاة الصبح ، فقرأ سورة الشورى فلما بلغ إلى قوله:
يَهَبُ لِمَنْ يَشَاء إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَن يَشَاء الذُّكُورَ *أَويُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَانًا وَإِنَاثًا وَيَجْعَلُ مَن يَشَاء عَقِيمًا إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ
فوقع في نفسي شيء من ذلك من طريق المعنى ، فلما سلم الشيخ من الصلاة قال لي: يا أبا العباس،
﴿يَهَبُ لِمَنْ يَشَاء إِنَاثًا﴾: العبادات والمعاملات
﴿وَيَهَبُ لِمَن يَشَاء الذُّكُورَ﴾: الأحوال والعلوم والمقامات
﴿أَو يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَانًا وَإِنَاثًا﴾: يجمع ذلك فيمن يشاء من عباده
﴿وَيَجْعَلُ مَن يَشَاء عَقِيمًا﴾: بلا علم ولا عمل فتعجبت من ذلك.
عن معنى قوله تعالى ﴿إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً﴾.
قال الشيخ أبو العباس رضي الله عنه : كنت مع الشيخ في السفر ، ونحن قاصدون إلى الإسكندرية ـ حين مجيئنا من المغرب ـ فأخذني ضيق شديد حتى ضعفت عن حمله ، فأتيت الشيخ أبي الحسن رضي الله عنه فلما أَحَسَّ بي قال: أحمد.
قلت: نعم يا سيدي.
قال: آدم خلقه الله بيده ، وأسجد له ملائكته ، وأسكنه الجنة نصف يوم خَمْسَمِئَةَ عام ، ثم نزل به إلى الأرض ، واللهِ ما نزل اللهُ بآدم إلى الأرض لينقصه ، ولكن نزل به إلى الأرض ليكمله ، ولقد أنزله إلى الأرض من قبل أن يخلقه بقوله: ﴿إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً﴾[البقرة:30]، ما قال في الجنة ولا في السماء ؛ فكان نزوله إلى الأرض نزول كرامة لا نزول إهانة ؛ فإنه كان يعبد الله في الجنة بالتعريف فأنزله إلى الأرض ليعبده بالتكليف ، فلما توفرت فيه العبوديتان استحق أن يكون خليفة.
وأنت أيضًا لك قسط من آدم ؛ كانت بدايتك في سماء الروح في جنة المعارف ، فأُنزلت إلى أرض النفس لتعبده بالتكليف ، فلما توفرت فيك العبوديتان استحققت أن تكون خليفة.
تكلم الشيخ أبي الحسن الشاذلي مع تلميذه الإمام أبي العباس المرسي ذات مرة عن (حقيقة النهي وأثره) فقال:
كل شيء نهاك الله عنه فهو شجرة آدم ، لكنّا افترفنا ؛ فإن آدم عليه السلام لَمَّا أكل من الشجرة نزل إلى الأرض للخلافة ، وأنت إذا أكلت من شجرة النهي تنزل إلى ماذا؟
إنما تنزل إلى أرض القطيعة ، فإياك ثم إياك.
حكي الإمام أبي العباس المرسي أنه دخل يومًا على شيخه الإمام أبي الحسن الشاذلي رضي الله عنهما، وكان في نيته أن يأكل الخشن من الطعام، ويلبس الخشن من الثياب، فلما رآه الشيخ قال له:
《يا أبا العباس، اعرف الله ثم كن كيف شئت》.
No comments:
Post a Comment